خـتـام الـرحـلـة .. الـقـاتـل الأجــيـر
مات «الحسن الصباح» أول من لُقّب بـ«شيخ الجبل»، وورثه فى هذا اللقب، كما ذكرت لك، الشيخ «راشد الدين سنان»، وإليه يعود الفضل فى إعادة إنتاج تجربة «آلموت» فى قلاع «مصياف» و«الخوابى» و«العليقة»، ليجعل منها نقطة انطلاق لتأسيس دولة الحشاشين فى الشام، وقد مكث «سنان» فى الحكم مدة تقارب، إلى حد كبير، المدة التى قضاها «الصباح» حاكماً لقلعة آلموت (35 عاماً)، وكان صلاح الدين الأيوبى هو أعدى أعداء الشيخ «سنان» بحكم عوامل كثيرة، من بينها الاختلاف المذهبى، واختلاف المصالح ما بين الطرفين، خصوصاً فيما يتعلق بالسيطرة على الشام، وهو ما كان يسعى إليه كل من صلاح الدين من ناحية، والحشاشون من ناحية أخرى، ولو على حساب «نور الدين محمود بن زنكى» والأمراء «الزنكيين» الذين خلفوه، ومع ذلك فقد كان صلاح الدين كثير اللجوء إلى «الحشاشين» لتنفيذ عمليات اغتيال يكلفهم بها، وتمثلت أخطر عملية اغتيال قام بها الحشاشون تحت زعامة الشيخ «سنان» فى اغتيال الماركيز «كونراد» ملك بيت المقدس، حين كان فى مدينة صور، ومن الملفت أن تجد أنهم رفضوا فى الوقت نفسه طلب صلاح الدين باغتيال «ريتشارد قلب الأسد» ملك إنجلترا، خوفاً من يهدأ بال السلطان من ناحية الصليبيين فيتفرغ للحشاشين، هكذا يرى «ابن كثير».
فى المجمل العام كان اغتيال الماركيز «كونراد» هو أخطر العمليات التى يحفل بها سجل اغتيالات الشيخ «سنان»، وكما بدأ الضعف يدب -بعد قوة ومنعة- فى صفوف الحشاشين بفارس عقب موت «الحسن الصباح»، حدث الأمر نفسه بالنسبة للحشاشين فى سوريا بعد وفاة الشيخ «رشاد الدين سنان»، فقد كان خلفاؤه أقل مهارة وقدرة منه، وأصبحوا يعملون تحت تبعية قلعة «آلموت»، وبعد أن سقطت القلعة وانتهت دويلة الحشاشين على أيدى المغول هناك، سارع الحشاشون بسوريا إلى إعلان خضوعهم التام للسلطان «بيبرس»، وقاتلوا التتار إلى جوار المسلمين، لكن السلطان لم يكن له أن يقبل استمرار «جيب النقمة» الحشيشى فى العمل داخل سوريا، ولم يكن لدى الحشاشين فى الشام -فى المقابل- أى قدرة على المقاومة بعد سقوط «آلموت»، فأصبح «بيبرس» يتحكم فيهم إلى حد أنه أصبح مسئولاً عن تعيين رؤسائهم وشيوخهم، وتحول أغلب «الحشاشين» إلى قتلة بالأجر فى عصر السلطان «بيبرس»، إذ كثيراً ما كان يستأجرهم المماليك لاغتيال وتصفية خصومهم السياسيين، فانتهت سيرتهم إلى مجرد «مرتزقة» يضعون قدرتهم على تنفيذ العمليات القذرة بين يدى من يدفع الثمن، وتحكى كتب التاريخ أن ثمن الدم كان يقبضه الحشاش إذا نفذ عملية الاغتيال المطلوبة ونجا من القتل بعدها، وإذا كانت الثانية وقُتل أو وقع فى الأسر كان المال يعطى لأسرته وورثته، لكن ذلك كله لم يشفع للحشاشين، إذ أُعملت فيهم يد القتل فى كل الاتجاهات، فبالغ السلطان «بيبرس» فى محاصرتهم ومطاردتهم فى سوريا، وارتكب المغول العديد من المذابح فى حقهم فى فارس، ولم يعد أمامهم سوى الهجرة والفرار، وترك القلاع والجبال والعيش بشكل سرى ومتخف وسط الناس، وكان ترك الحشاشين للقلاع والجبال إيذاناً بانتهاء رحلة حمل السلاح.
هاجر أغلب الحشاشين من بلاد فارس إلى الهند، وأصبح كل همهم المحافظة على حياتهم، والعيش كمواطنين مسالمين وسط غيرهم، وتركت الأجيال الجديدة منهم السياسة تماماً وبدأوا يتفرغون للأمور الاقتصادية، ويمارسون التجارة، وجنوا من وراء ذلك أرباحاً كثيرة، وبدلاً من الأئمة وكبار الفداوية بدأت تظهر أسماء العديد من الأغنياء بين أتباع الحشاشين، ومن ناحيتهم مارس الأغنياء بتصورات الأقلية التى تعيش فى قلب أغلبية تفوقها عدداً، وتجد أن الوسيلة الأبرز للقوة وللعيش بين الأغلبية هى المال، أما فقراء الحشاشين فقد حاولوا ممارسة الدعوة بين فقراء الهند والدول الأخرى التى هاجروا إليها، لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق إنجاز ذى قيمة على هذا المستوى، بعد أن فقدت الفكرة زخمها، وعدمت وجود قيادات قادرة ومؤثرة، مثل الحسن الصباح أو الشيخ «سنان»، تجمع بين الزعامتين السياسية والروحية، كانت أسماء بعض الأئمة تظهر من حين إلى آخر، لكنها بقيت فى الأول والآخر مجرد قيادات روحية، تبتعد قدر المستطاع عن ممارسة أى أنشطة سياسية، وانتقل مقر الإمامة «النزارية» من فارس بشكل نهائى عندما غادر الإمام النزارى حسن على شاه أرض أجداده، وانتقل إلى الهند، واستقر بين أتباعه الذين هاجروا إلى هناك، وأصبح لقبه الرسمى هو «الأغا خان»، وهو اللقب الذى حصل عليه من أحد ملوك الفرس، وأصبح «الأغا خان» بعد ذلك هو اللقب الرسمى لأئمة النزارية بعد «حسن على شاه».
ومنذ ذلك الحين وحتى الآن أصبح أتباع الإسماعيلية النزارية يوصفون بأنهم «أتباع الأغا خان»، فى حين يطلق على «الإسماعيلية المستعلية» الموجودين الآن وصف «البهرة»، وكلتا الفرقتين أبعد ما يكون عن العمل السياسى فى الوقت الحالى، فأغلب نشاطاتها اقتصادية وخيرية، وتهتم طائفة البهرة بترميم مساجد آل بيت النبى صلى الله عليه وسلم، ورعايتها، وقد قامت رموز الطائفة بعدة زيارات لمصر، التقوا خلالها قيادات مصرية عديدة، وإليهم يعود الفضل فى تجديد ضريح السيدة زينب بنت على رضى الله عنها، وكذا ضريح الإمام الحسين رضى الله عنه بالقاهرة.
مات «الحسن الصباح» أول من لُقّب بـ«شيخ الجبل»، وورثه فى هذا اللقب، كما ذكرت لك، الشيخ «راشد الدين سنان»، وإليه يعود الفضل فى إعادة إنتاج تجربة «آلموت» فى قلاع «مصياف» و«الخوابى» و«العليقة»، ليجعل منها نقطة انطلاق لتأسيس دولة الحشاشين فى الشام، وقد مكث «سنان» فى الحكم مدة تقارب، إلى حد كبير، المدة التى قضاها «الصباح» حاكماً لقلعة آلموت (35 عاماً)، وكان صلاح الدين الأيوبى هو أعدى أعداء الشيخ «سنان» بحكم عوامل كثيرة، من بينها الاختلاف المذهبى، واختلاف المصالح ما بين الطرفين، خصوصاً فيما يتعلق بالسيطرة على الشام، وهو ما كان يسعى إليه كل من صلاح الدين من ناحية، والحشاشون من ناحية أخرى، ولو على حساب «نور الدين محمود بن زنكى» والأمراء «الزنكيين» الذين خلفوه، ومع ذلك فقد كان صلاح الدين كثير اللجوء إلى «الحشاشين» لتنفيذ عمليات اغتيال يكلفهم بها، وتمثلت أخطر عملية اغتيال قام بها الحشاشون تحت زعامة الشيخ «سنان» فى اغتيال الماركيز «كونراد» ملك بيت المقدس، حين كان فى مدينة صور، ومن الملفت أن تجد أنهم رفضوا فى الوقت نفسه طلب صلاح الدين باغتيال «ريتشارد قلب الأسد» ملك إنجلترا، خوفاً من يهدأ بال السلطان من ناحية الصليبيين فيتفرغ للحشاشين، هكذا يرى «ابن كثير».
فى المجمل العام كان اغتيال الماركيز «كونراد» هو أخطر العمليات التى يحفل بها سجل اغتيالات الشيخ «سنان»، وكما بدأ الضعف يدب -بعد قوة ومنعة- فى صفوف الحشاشين بفارس عقب موت «الحسن الصباح»، حدث الأمر نفسه بالنسبة للحشاشين فى سوريا بعد وفاة الشيخ «رشاد الدين سنان»، فقد كان خلفاؤه أقل مهارة وقدرة منه، وأصبحوا يعملون تحت تبعية قلعة «آلموت»، وبعد أن سقطت القلعة وانتهت دويلة الحشاشين على أيدى المغول هناك، سارع الحشاشون بسوريا إلى إعلان خضوعهم التام للسلطان «بيبرس»، وقاتلوا التتار إلى جوار المسلمين، لكن السلطان لم يكن له أن يقبل استمرار «جيب النقمة» الحشيشى فى العمل داخل سوريا، ولم يكن لدى الحشاشين فى الشام -فى المقابل- أى قدرة على المقاومة بعد سقوط «آلموت»، فأصبح «بيبرس» يتحكم فيهم إلى حد أنه أصبح مسئولاً عن تعيين رؤسائهم وشيوخهم، وتحول أغلب «الحشاشين» إلى قتلة بالأجر فى عصر السلطان «بيبرس»، إذ كثيراً ما كان يستأجرهم المماليك لاغتيال وتصفية خصومهم السياسيين، فانتهت سيرتهم إلى مجرد «مرتزقة» يضعون قدرتهم على تنفيذ العمليات القذرة بين يدى من يدفع الثمن، وتحكى كتب التاريخ أن ثمن الدم كان يقبضه الحشاش إذا نفذ عملية الاغتيال المطلوبة ونجا من القتل بعدها، وإذا كانت الثانية وقُتل أو وقع فى الأسر كان المال يعطى لأسرته وورثته، لكن ذلك كله لم يشفع للحشاشين، إذ أُعملت فيهم يد القتل فى كل الاتجاهات، فبالغ السلطان «بيبرس» فى محاصرتهم ومطاردتهم فى سوريا، وارتكب المغول العديد من المذابح فى حقهم فى فارس، ولم يعد أمامهم سوى الهجرة والفرار، وترك القلاع والجبال والعيش بشكل سرى ومتخف وسط الناس، وكان ترك الحشاشين للقلاع والجبال إيذاناً بانتهاء رحلة حمل السلاح.
هاجر أغلب الحشاشين من بلاد فارس إلى الهند، وأصبح كل همهم المحافظة على حياتهم، والعيش كمواطنين مسالمين وسط غيرهم، وتركت الأجيال الجديدة منهم السياسة تماماً وبدأوا يتفرغون للأمور الاقتصادية، ويمارسون التجارة، وجنوا من وراء ذلك أرباحاً كثيرة، وبدلاً من الأئمة وكبار الفداوية بدأت تظهر أسماء العديد من الأغنياء بين أتباع الحشاشين، ومن ناحيتهم مارس الأغنياء بتصورات الأقلية التى تعيش فى قلب أغلبية تفوقها عدداً، وتجد أن الوسيلة الأبرز للقوة وللعيش بين الأغلبية هى المال، أما فقراء الحشاشين فقد حاولوا ممارسة الدعوة بين فقراء الهند والدول الأخرى التى هاجروا إليها، لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق إنجاز ذى قيمة على هذا المستوى، بعد أن فقدت الفكرة زخمها، وعدمت وجود قيادات قادرة ومؤثرة، مثل الحسن الصباح أو الشيخ «سنان»، تجمع بين الزعامتين السياسية والروحية، كانت أسماء بعض الأئمة تظهر من حين إلى آخر، لكنها بقيت فى الأول والآخر مجرد قيادات روحية، تبتعد قدر المستطاع عن ممارسة أى أنشطة سياسية، وانتقل مقر الإمامة «النزارية» من فارس بشكل نهائى عندما غادر الإمام النزارى حسن على شاه أرض أجداده، وانتقل إلى الهند، واستقر بين أتباعه الذين هاجروا إلى هناك، وأصبح لقبه الرسمى هو «الأغا خان»، وهو اللقب الذى حصل عليه من أحد ملوك الفرس، وأصبح «الأغا خان» بعد ذلك هو اللقب الرسمى لأئمة النزارية بعد «حسن على شاه».
ومنذ ذلك الحين وحتى الآن أصبح أتباع الإسماعيلية النزارية يوصفون بأنهم «أتباع الأغا خان»، فى حين يطلق على «الإسماعيلية المستعلية» الموجودين الآن وصف «البهرة»، وكلتا الفرقتين أبعد ما يكون عن العمل السياسى فى الوقت الحالى، فأغلب نشاطاتها اقتصادية وخيرية، وتهتم طائفة البهرة بترميم مساجد آل بيت النبى صلى الله عليه وسلم، ورعايتها، وقد قامت رموز الطائفة بعدة زيارات لمصر، التقوا خلالها قيادات مصرية عديدة، وإليهم يعود الفضل فى تجديد ضريح السيدة زينب بنت على رضى الله عنها، وكذا ضريح الإمام الحسين رضى الله عنه بالقاهرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق