الأحد، 5 يوليو 2015

عناقيد الغضب .. ( 10 ) ... بقلم الدكتور/ محمود خليل

عناقيد الغضب .. من (الحسن الصباح) .. إلى (البغدادى)
رأيت كيف حكى المرحوم عمر التلمسانى تجربة انضمامه إلى جماعة الإخوان على يد «نقباء» المرحوم «حسن البنا»، ووصف «نقيب» يعبر عن مفردة مشتركة بين القاموس الإخوانى، وقاموس «الحشاشين» أتباع «الحسن الصباح». يقول المقريزى فى خططه إن الداعية كان مسئولاً عن أخذ النجوى، وهى صدقات كانت تجمع مقابل إتاحة الفرصة أمام المريد للاستماع إلى الداعية والحديث إليه، ويتم تسليمها بعد ذلك إلى الخليفة فيفرض له -أى للداعية- ما يعينه لنفسه و«للنقباء»، مفردة النقباء التى وردت فى هذا الجزء من كلام المقريزى يعرفها جيداً من لديهم بعض الخبرة بالهيكل التنظيمى للإخوان، تشير مواقع الجماعة إلى أن: «نقيب الأسرة -والأسرة هى الوحدة الأصغر فى التنظيم الإخوانى- هو القيادة الأولى فى الجماعة، بل هو المربى لأفراد الأسرة، والمخطط لجهودهم والمنسق بينها، والقادر على توجيهها وتوظيفها للوصول إلى الهدف، ومهمته جليلة القدر عظيمة الشأن، إذ هى فى حقيقتها: تربية الأفراد على الآداب والقيم الإسلامية أساساً، وعلى نظم الجماعة ولوائح هذه النظم»، يشير التوصيف السابق إلى أن وظيفة النقيب من أخطر الوظائف داخل تنظيم الإخوان، كما كانت كذلك فى جماعة «الحشاشين»، ويرى البعض أن مهام النقيب تصل فى أحوال إلى القيام بعمليات عنف ضد خصوم الجماعة، عندما يكون النقيب عضواً فى النظام الخاص.
وينقلنا الحديث عن دور الدعاة والنقباء فى تربية وإعداد الكوادر داخل التنظيمات العنقودية إلى تناول المراحل المختلفة التى يمر بها الجهد الدعوى الموجه إلى الكوادر التى كان «الإسماعيليون» يستهدفون ضمهم إلى جماعتهم، والتى تتقاطع فى جوانب عديدة منها مع مسارات وأساليب الدعوة التى تنتهجها العديد من جماعات السيف التى ظهرت على مدار المراحل المختلفة من تاريخ المسلمين، يشير «المقريزى» فى خططه إلى أن الدعوة الإسماعيلية اعتمدت على عدد من الخطوات أو المراتب التى يتنقل بينها المريد، وكلما اجتاز مرحلة بنجاح، انتقل إلى ما يليها، وهو الأسلوب الذى اعتمده الحسن الصباح، وطبقه على مريديه كى يؤهلهم للانخراط داخل «فرق الموت»، وتتمثل أولى مراحل الدعوة الإسماعيلية، كما يقول «المقريزى»، فى: «سؤال الداعى لمن يدعوه إلى مذهبه عن المشكلات وتأويل الآيات، وشىء من الطبيعيات، والأمور الغامضة، فما معنى قول الفلاسفة الإنسان عالم صغير والعالم إنسان كبير؟ ولم كانت قامة الإنسان منتصبة دون غيره من الحيوانات؟ ولم كان فى يديه من الأصابع عشرة وفى رجليه عشرة أصابع؟ ولم فى كل أصبع من أصابع يده ثلاثة شقوق إلا الإبهام؟ فإذا كان المدعو عارفاً سلم له الداعى، وإلا تركه يعمل عقله فيما ألقاه عليه من الأسئلة، وقال له يا هذا إن الدين لمكتوم وإن الأكثر له منكرون وبه جاهلون، ولو علمت هذه الأمة ما خص الله به الأئمة من العلم لم تختلف، فإذا علم منه الإقبال أخذ فى ذكر معانى القراءات وشرائع الدين، وتقرير أن الآفة التى نزلت بالأمة وشتت الكلمة وأورثت الأهواء المضلة ذهاب الناس عن أئمة نصبوا لهم، وأقيموا حافظين لشرائعهم يؤدونها على حقيقتها ويحفظون معانيها ويعرفون بواطنها»، تستهدف هذه المرحلة كما هو واضح استغلال الفجوات المعرفية لدى البسطاء، سواء فيما يتعلق بالدين أو الدنيا، والتأكيد على أهمية أن يكون للمؤمن إمام يجلى له ما خفى عليه من أموره، ويفسر له معانى الآيات، ودلالات الأحكام الشرعية وغير ذلك.
ويتعجب المحلل وهو يراجع مراحل الدعوة الفردية كما تبينها أدبيات الإخوان، من ذلك التقاطع الملفت بين الخطوات الأولى للدعوة لدى الحشاشين (الإسماعيليين) والخطوات المماثلة لها داخل جماعة الإخوان والتى تحدد أهداف الدعوة الفردية فى: «إيقاظ الإيمان المخدر فى نفس المدعو، ولا يكون الحديث حول قضية الإيمان مباشراً، ولكن الأفضل أن يأتى طبيعياً وكأنه دون قصد، بانتهاز فرصة رؤية طائر أو نبتة أو حشرة أو أى مخلوق من خلق الله ويتحدث معه عن قدرة الله وإبداعه وعظمته فى هذا الخلق، ويوضح مثلاً كيف ينبت هذا النبات من طين وماء ويختلف بعضه عن بعض فى الساق والأوراق والأزهار والثمار والألوان والرائحة والطعم وهى تسقى بماء واحد ومن طين واحدة (صنع الله الذى أتقن كل شىء) (هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه) وهل يستطيع العلماء مع ما وصلوا إليه من علم أن يصنعوا حبة قمح مثلاً فى معاملهم، بحيث لو وضعوها فى الأرض ورويت بالماء أن تنبت عوداً من القمح؟ إنهم لن يستطيعوا لأن سر الإنبات فى الحبة التى خلقها الله من اختصاص الله وحده، ولا يستطيع بشر أن يودعه فى حبة صناعية، كما أن أهل الأرض جميعاً لو اجتمعوا ليخلقوا ذبابة ما استطاعوا، فالخلق والحياة من اختصاص الله وحده».
جوهر التقاطع هنا يرتبط بمرتكزين: يتعلق أولهما بفكرة «الإيمان المكتوم» لدى «الحشيشية»، و«الإيمان المخدر» لدى الإخوان، والمسئول عن تجلية الإيمان أو إيقاظه فى نفس المدعو هو الداعية فى الحالتين، الذى تسيطر عليه فكرة امتلاك الحقيقة الإيمانية واستحواذه على جوهر الفهم الأصوب للإسلام، أما المرتكز الثانى فيتصل باللجوء إلى بعض المسائل الطبيعية لتمهيد المريد للدخول إلى عالم الإيمان، من خلال استثارة عقله بأسئلة أو ملاحظات، يعقبها تقديم إجابات دينية، وليس علمية، عليها تبعاً لفهم ورؤية الداعية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق