ذهـب المسلمون .. فلم يبق من يأخذ بيد ملهوف
شرع «الحسن الصباح» فى التمدد إلى قلاع ومواقع جديدة، بعد استيلائه على قلعة «آلموت» فيما يشبه «الانقلاب الأبيض» عام 1090. ساعده على ذلك حالة التراجع والاهتزاز التى أصابت الدولة السلجوقية، بعد وفاة السلطان «ملكشاه»، وتولى ولده «سنجر» الحكم. وكانت عدته فى ذلك الصبية من أبناء المؤمنين بمذهبه، إذ جمع هؤلاء وأحسن تدريبهم على استخدام جميع الأسلحة التى كانت شائعة فى ذلك العصر، وعلمهم كيف يستترون من الناس، وكيف يحتفظون بأسرارهم وأسرار من معهم، ولا يبيحون بها فى حالة القبض عليهم، وإذا استيأس «الفدائى» من قدرته على المقاومة حال القبض عليه، فعليه أن يقتل نفسه بيده. لقد استند التدريب داخل قلعة آلموت إلى مجموعة من القيم الأساسية، من أبرزها: الكفاءة القتالية، والحيلة فى التنكر، والسرية فى التحرك، والغيلة فى الأداء. ولو أنك تأملت وحللت عدداً من وقائع الاغتيال التى تمت على يد «فرق الموت»، فسوف تدرك مستوى الاحترافية الذى كان يؤدى به أعضاؤها فى تنفيذ أهدافهم، قياساً إلى مستوى الأداء القتالى الذى ساد ذلك العصر. كان أداء فرق الاغتيالات مختلفاً أشد الاختلاف، فى نوع السلاح، حيث مالوا إلى استخدام الخناجر والسكاكين، الأنسب للاغتيال، وفى القدرات التمثيلية والتنكرية العالية التى امتازوا بها، بالإضافة إلى عدم الاكتراث بنتائج العمليات التى كانوا يقومون بها، فكانوا أقرب إلى «الانتحاريين» بالمصطلح الحديث، منهم إلى المقاتلين النظاميين.
كان من بين من قامت فرق الاغتيالات التابعة للحسن الصباح باغتيالهم الوزير فخر الملك بن نظام الملك، وتمنحك مراجعة واقعة اغتياله العديد من المؤشرات حول طريقة وأسلوب عمل هذه الفرق. يحكى ابن الأثير -فى كتابه الكامل- قصة مقتل فخر الملك، وزير السلطان السلجوقى سنجر بن ملكشاه، قائلاً: «أقام فخر الملك أبوالمظفر على بن نظام الملك عند الملك سنجر بن ملكشاه، ووُزّر له، وأصبح يوم عاشوراء صائماً، وقال لأصحابه: رأيت الليلة فى المنام الحسين بن على، وهو يقول: عجل إلينا، وليكن إفطارك عندنا، وقد اشتغل فكرى به، ولا محيد عن قضاء الله وقدره!، وقالوا: يحميك الله، والصواب ألا تخرج اليوم والليلة من دارك، فأقام يومه يصلى، ويقرأ القرآن، وتصدق بشىء كثير. فلما كان وقت العصر خرج من الدار التى كان بها يريد دار النساء، فسمع صياح متظلم، شديد الحرقة، وهو يقول: ذهب المسلمون، فلم يبق من يكشف مظلمة، ولا يأخذ بيد ملهوف! فأحضره عنده، رحمة له، فحضر، فقال: ما حالك؟ فدفع إليه رقعة، فبينما فخر الملك يتأملها، إذ ضربه بسكين فقضى عليه، فمات، فحُمل الباطنى إلى سنجر، فقرره، فأقر على جماعة من أصحاب السلطان كذباً، وقال: إنهم وضعونى على قتله، وأراد أن يقتل بيده وسعايته، فقُتل من ذكر، وكان مكذوباً عليهم، ثم قتل الباطنى بعدهم».
جوانب عديدة من الشطط تظهر فى القصة السابقة، وكذلك التقاطع مع قصص اغتيال أخرى شبيهة اشتملت عليها كتب التاريخ الإسلامى، فالتقاطع واضح بين المنام الذى رأى فيه فخر الدين الحسين بن على يدعوه إلى التعجيل إليه والإفطار معه إذا أصبح صائماً، والمنام الذى تحكيه كتب التراث عن عثمان بن عفان، ورأى فيه ليلة مقتله أبا بكر وعمر، ودعواه إلى الإفطار معهما من الغد (يوم مقتله). أراد «ابن الأثير» أن يؤكد أن «فخر الدين» كان يشعر بدنو أجله، وأن من حوله أحسوا بذلك عندما حكى لهم منامه، فنصحوه بعدم الخروج، لكنه أبى. وجانب التمحك فى هذه القصة واضح، كما أن جانب الحيلة ظاهر أشد الظهور فى أداء الصبى الذى تولى أمر اغتيال فخر الدين عندما خرج إلى نسائه، حين صرخ مستغيثاً ومتظلماً، وقائلاً بأسلوب مؤثر: ذهب المسلمون، فلم يبق من يكشف مظلمة، ولا يأخذ بيد ملهوف!. ويُفهم من سياق القصة التى حكاها «ابن الأثير» أن جانب المروءة فى شخص الوزير فخر الدين كان واضحاً، عندما بادر إلى إغاثة الباطنى، وجانب الخسة كان ظاهراً عند القاتل، الذى بتر اليد التى امتدت إليه بالإغاثة، بل واجتهد فى المراوغة بعد قيامه بعملية الاغتيال، فاعترف زوراً على جماعة من أصحاب السلطان، وقال إنهم هم الذين حملوه على قتل الوزير، فتقرر قتلهم، وأراد أن يقتل نفسه بعد ذلك لكنه لم يفلح، فقُتل على يد سنجر، فى مشهد يوضح إلى أى حد كان الحشيشية يسعون إلى التوسع فى القتل.
شرع «الحسن الصباح» فى التمدد إلى قلاع ومواقع جديدة، بعد استيلائه على قلعة «آلموت» فيما يشبه «الانقلاب الأبيض» عام 1090. ساعده على ذلك حالة التراجع والاهتزاز التى أصابت الدولة السلجوقية، بعد وفاة السلطان «ملكشاه»، وتولى ولده «سنجر» الحكم. وكانت عدته فى ذلك الصبية من أبناء المؤمنين بمذهبه، إذ جمع هؤلاء وأحسن تدريبهم على استخدام جميع الأسلحة التى كانت شائعة فى ذلك العصر، وعلمهم كيف يستترون من الناس، وكيف يحتفظون بأسرارهم وأسرار من معهم، ولا يبيحون بها فى حالة القبض عليهم، وإذا استيأس «الفدائى» من قدرته على المقاومة حال القبض عليه، فعليه أن يقتل نفسه بيده. لقد استند التدريب داخل قلعة آلموت إلى مجموعة من القيم الأساسية، من أبرزها: الكفاءة القتالية، والحيلة فى التنكر، والسرية فى التحرك، والغيلة فى الأداء. ولو أنك تأملت وحللت عدداً من وقائع الاغتيال التى تمت على يد «فرق الموت»، فسوف تدرك مستوى الاحترافية الذى كان يؤدى به أعضاؤها فى تنفيذ أهدافهم، قياساً إلى مستوى الأداء القتالى الذى ساد ذلك العصر. كان أداء فرق الاغتيالات مختلفاً أشد الاختلاف، فى نوع السلاح، حيث مالوا إلى استخدام الخناجر والسكاكين، الأنسب للاغتيال، وفى القدرات التمثيلية والتنكرية العالية التى امتازوا بها، بالإضافة إلى عدم الاكتراث بنتائج العمليات التى كانوا يقومون بها، فكانوا أقرب إلى «الانتحاريين» بالمصطلح الحديث، منهم إلى المقاتلين النظاميين.
كان من بين من قامت فرق الاغتيالات التابعة للحسن الصباح باغتيالهم الوزير فخر الملك بن نظام الملك، وتمنحك مراجعة واقعة اغتياله العديد من المؤشرات حول طريقة وأسلوب عمل هذه الفرق. يحكى ابن الأثير -فى كتابه الكامل- قصة مقتل فخر الملك، وزير السلطان السلجوقى سنجر بن ملكشاه، قائلاً: «أقام فخر الملك أبوالمظفر على بن نظام الملك عند الملك سنجر بن ملكشاه، ووُزّر له، وأصبح يوم عاشوراء صائماً، وقال لأصحابه: رأيت الليلة فى المنام الحسين بن على، وهو يقول: عجل إلينا، وليكن إفطارك عندنا، وقد اشتغل فكرى به، ولا محيد عن قضاء الله وقدره!، وقالوا: يحميك الله، والصواب ألا تخرج اليوم والليلة من دارك، فأقام يومه يصلى، ويقرأ القرآن، وتصدق بشىء كثير. فلما كان وقت العصر خرج من الدار التى كان بها يريد دار النساء، فسمع صياح متظلم، شديد الحرقة، وهو يقول: ذهب المسلمون، فلم يبق من يكشف مظلمة، ولا يأخذ بيد ملهوف! فأحضره عنده، رحمة له، فحضر، فقال: ما حالك؟ فدفع إليه رقعة، فبينما فخر الملك يتأملها، إذ ضربه بسكين فقضى عليه، فمات، فحُمل الباطنى إلى سنجر، فقرره، فأقر على جماعة من أصحاب السلطان كذباً، وقال: إنهم وضعونى على قتله، وأراد أن يقتل بيده وسعايته، فقُتل من ذكر، وكان مكذوباً عليهم، ثم قتل الباطنى بعدهم».
جوانب عديدة من الشطط تظهر فى القصة السابقة، وكذلك التقاطع مع قصص اغتيال أخرى شبيهة اشتملت عليها كتب التاريخ الإسلامى، فالتقاطع واضح بين المنام الذى رأى فيه فخر الدين الحسين بن على يدعوه إلى التعجيل إليه والإفطار معه إذا أصبح صائماً، والمنام الذى تحكيه كتب التراث عن عثمان بن عفان، ورأى فيه ليلة مقتله أبا بكر وعمر، ودعواه إلى الإفطار معهما من الغد (يوم مقتله). أراد «ابن الأثير» أن يؤكد أن «فخر الدين» كان يشعر بدنو أجله، وأن من حوله أحسوا بذلك عندما حكى لهم منامه، فنصحوه بعدم الخروج، لكنه أبى. وجانب التمحك فى هذه القصة واضح، كما أن جانب الحيلة ظاهر أشد الظهور فى أداء الصبى الذى تولى أمر اغتيال فخر الدين عندما خرج إلى نسائه، حين صرخ مستغيثاً ومتظلماً، وقائلاً بأسلوب مؤثر: ذهب المسلمون، فلم يبق من يكشف مظلمة، ولا يأخذ بيد ملهوف!. ويُفهم من سياق القصة التى حكاها «ابن الأثير» أن جانب المروءة فى شخص الوزير فخر الدين كان واضحاً، عندما بادر إلى إغاثة الباطنى، وجانب الخسة كان ظاهراً عند القاتل، الذى بتر اليد التى امتدت إليه بالإغاثة، بل واجتهد فى المراوغة بعد قيامه بعملية الاغتيال، فاعترف زوراً على جماعة من أصحاب السلطان، وقال إنهم هم الذين حملوه على قتل الوزير، فتقرر قتلهم، وأراد أن يقتل نفسه بعد ذلك لكنه لم يفلح، فقُتل على يد سنجر، فى مشهد يوضح إلى أى حد كان الحشيشية يسعون إلى التوسع فى القتل.
حكى «ابن الأثير» فى موضع آخر قصة اغتيال «المقرب جوهر»، وهو من خدم السلطان «سنجر»، «وكان قد حكم فى دولته جميعها، ومن جملة مماليكه العباس صاحب الرى، وكان سائر عسكر السلطان سنجر يخدمونه ويقفون ببابه، وكان قتله بيد الباطنية، وقف له جماعة منهم بزى النساء واستغاثوا به، فوقف يسمع كلامهم فقتلوه، فلما قُتل جمع صاحبه عباس العساكر وقصد الباطنية، فقتل منهم وأكثر، وفعل بهم ما لم يفعله غيره، ولم يزل يغزوهم ويقتل منهم ويخرب بلادهم إلى أن مات». إن هذه الواقعة تمنحك مؤشراً جديداً عن بعض جوانب الحيلة التى كان تعتمد عليها فرق الاغتيالات الحشيشية والتى كانت تصل فى بعض الأحوال إلى التنكر فى زى النساء، والتماس كل السبل حتى يصلوا إلى أهدافهم فى القتل والاغتيال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق