المال والإقطاعيات .. مقابل الولاء لصلاح الدين
يقول محمد كامل حسين -فى كتابه طائفة الإسماعيلية- عن الشيخ «راشد الدين سنان»: «عرفه أهل الشام بلقب شيخ الجبل، إمعاناً فى احترامه ورهبة منه فى الوقت نفسه، هو أبوالحسن سنان بن سليمان بن محمد، ولد فى قرية صغيرة من قرى البصرة، ويقال إن سكان هذه القرية كانوا على مذهب النصيرية الذين يؤلهون علياً بن أبى طالب، ولكن أسرة سنان لم تكن على هذه العقيدة، بل كانت على مذهب الشيعة الاثنى عشرية، ولما شب تحول إلى مذهب الإسماعيلية على يد داعى دعاة العراق، الذى لمس فيه مخائل النجابة والذكاء، فحبب إليه الرحيل إلى آلموت ليتلقى هناك علوم الدعوة الإسماعيلية، وكان صاحب آلموت إذ ذاك هو محمد بن كيابزرك أميد الذى أحسن استقبال سنان وجعله مع ولديه فى طلب العلم، بل اتخذه ربيباً له بعد ذلك بقليل، فتوطدت صلة سنان بولى العهد الحسن بن محمد، فلما تولى «الحسن» أمور الطائفة بآلموت أمر سناناً بالرحيل إلى الشام، ليشرف بنفسه على شئون الطائفة. وصل سنان إلى الشام وتحصن بقلعة «الكهف»، ومكث يدرس بها بعض الوقت، ثم تحرك منها إلى قلعة «مصياف» واتخذها مركزاً له».
تمكن الشيخ «سنان» من إنفاذ أول خطوة تعلمها فى قلعة آلموت لبناء دولته فى الشام، من خلال السيطرة على قلعة «مصياف»، ليتخذ منها مركزاً لمواجهة أعدائه، وكانت الشام فى ذلك الوقت تعج بالكثير من الأحداث، من أبرزها موجات الحروب الصليبية التى كانت تتدافع على المنطقة، ورفع لواء التصدى لها السلطان «نور الدين محمود زنكى»، ولم يكن «الحشاشين» بعيدين عن تفكير «نور الدين»، إذ قرر تجريد حملة عسكرية إليهم يقودها بنفسه، لكن المنية وافته، قبل أن يتم ما عزم عليه، وقد حذا حذوه من بعده نائبه على مصر «صلاح الدين الأيوبى» فبدأ يرسل رسائل التهديد والوعيد إلى الشيخ «سنان»، ورد الأخير عليه ردوداً تعكس مدى استهانته به، وهوانه عليه، وجرد «صلاح الدين» جيشاً كبيراً لمحاربة الإسماعيلية ومحاصرة قلعة «مصياف»، لكنه عاد دون أن يفتحها، بعد أن طلب منه أحد أبناء عمومته ترك الإسماعيليين والتفرغ لمواجهة الصليبيين.
والعلاقة بين صلاح الدين الأيوبى والإسماعيليين قديمة تعود إلى الفترة التى جاء فيها إلى مصر بعد أن أرسل الخليفة الفاطمى «العاضد» إلى «نور الدين محمود» يستنجد به من هجمات الفرنجة على مصر، فأرسل إليه «أسد الدين شيركوه» مع ابن أخيه «صلاح الدين الأيوبى» للتصدى لهذه الهجمات، وبعد وفاة «شيركوه» دان أمر مصر لصلاح الدين. يقول ابن الأثير: «استمال صلاح الدين قلوب الناس، وبذل الأموال، فمالوا إليه وأحبوه وضعف أمر العاضد، ثم أرسل صلاح الدين يطلب من نور الدين أن يرسل إليه إخوته وأهله، فأرسلهم إليه، وشرّع عليهم طاعته والقيام بأمره ومساعدته، وكلهم فعل ذلك، وأُخذت إقطاعات الأمراء المصريين فأعطاها أهله والأمراء الذين معه، وزادهم، فازدادوا له حباً وطاعة». فى هذا التوقيت أرسل «نور الدين محمود» إلى صلاح الدين أمراً بقطع الخطبة للخليفة العاضد، وكان الأخير يخشى ثورة المصريين عليه إذا فعل ذلك. يقول «ابن الأثير»: «وكان سبب الخطبة العباسية بمصر أن صلاح الدين بن أيوب لما ثبت قدمه بمصر وزال المخالفون له، وضعف أمر الخليفة العاضد بها، وصار قصره يحكم فيه صلاح الدين ونائبه قراقوش، وهو خصى، كان من أعيان الأمراء الأسدية، كلهم يرجعون إليه، فكتب إليه نور الدين محمود بن زنكى يأمره بقطع الخطبة العاضدية، وإقامة الخطبة المستضيئية، فامتنع صلاح الدين، واعتذر بالخوف من أهل الديار المصرية عليه لميلهم إلى العلويين، وكان صلاح الدين يكره قطع الخطبة لهم، ويريد بقاءهم خوفاً من نور الدين، فإنه كان يخافه أن يدخل الديار المصرية ويأخذها منه، فكان يريد أن يكون العاضد معه، حتى إذا قصده نور الدين امتنع به وبأهل مصر عليه، فلما اعتذر إلى نور الدين بذلك لم يقبل عذره، وألح عليه بقطع خطبته، وألزمه إلزاماً لا فسحة له فى مخالفته، واتفق أن العاضد مرض هذا الوقت مرضاً شديداً، فلما عزم صلاح الدين على قطع خطبته استشار أمراءه، فمنهم من أشار به ولم يفكر بالمصريين، ومنهم من خافهم، إلا أنه لا يملك إلا الامتثال لأمر نور الدين».
الواضح أن صلاح الدين كان يدير الأمور بشكل يعكس مدى حرصه على السلطة، فلم يكن أمر المذاهب يشغله، سواء المذهب الشيعى أو السنى، وتردده فى طمس الهوية الشيعية لمصر حينذاك، لم يكن له من سبب سوى الخوف من الأهالى، ومن ثورتهم عليه. وتشير بعض كتب التاريخ إلى أنه لما أقيمت الخطبة للخليفة العباسى «لم ينتطح عنزان» فى هذا الأمر، رغم وقوع أحداث تدلل على عكس ذلك فيما بعد، الشاهد فى الأمر أن صلاح الدين انقلب على العاضد، إرضاء لنور الدين محمود، وقرر محو المذهب الشيعى تماماً من مصر، وإعادتها إلى حظيرة أهل السنة والجماعة، حين فطن إلى أن هذا التحول يخدم هدفه فى البقاء على كرسى السلطة. ويبدو أن مسألة «السلطنة» كانت تشغل صلاح الدين أكثر من غيرها.
يقول محمد كامل حسين -فى كتابه طائفة الإسماعيلية- عن الشيخ «راشد الدين سنان»: «عرفه أهل الشام بلقب شيخ الجبل، إمعاناً فى احترامه ورهبة منه فى الوقت نفسه، هو أبوالحسن سنان بن سليمان بن محمد، ولد فى قرية صغيرة من قرى البصرة، ويقال إن سكان هذه القرية كانوا على مذهب النصيرية الذين يؤلهون علياً بن أبى طالب، ولكن أسرة سنان لم تكن على هذه العقيدة، بل كانت على مذهب الشيعة الاثنى عشرية، ولما شب تحول إلى مذهب الإسماعيلية على يد داعى دعاة العراق، الذى لمس فيه مخائل النجابة والذكاء، فحبب إليه الرحيل إلى آلموت ليتلقى هناك علوم الدعوة الإسماعيلية، وكان صاحب آلموت إذ ذاك هو محمد بن كيابزرك أميد الذى أحسن استقبال سنان وجعله مع ولديه فى طلب العلم، بل اتخذه ربيباً له بعد ذلك بقليل، فتوطدت صلة سنان بولى العهد الحسن بن محمد، فلما تولى «الحسن» أمور الطائفة بآلموت أمر سناناً بالرحيل إلى الشام، ليشرف بنفسه على شئون الطائفة. وصل سنان إلى الشام وتحصن بقلعة «الكهف»، ومكث يدرس بها بعض الوقت، ثم تحرك منها إلى قلعة «مصياف» واتخذها مركزاً له».
تمكن الشيخ «سنان» من إنفاذ أول خطوة تعلمها فى قلعة آلموت لبناء دولته فى الشام، من خلال السيطرة على قلعة «مصياف»، ليتخذ منها مركزاً لمواجهة أعدائه، وكانت الشام فى ذلك الوقت تعج بالكثير من الأحداث، من أبرزها موجات الحروب الصليبية التى كانت تتدافع على المنطقة، ورفع لواء التصدى لها السلطان «نور الدين محمود زنكى»، ولم يكن «الحشاشين» بعيدين عن تفكير «نور الدين»، إذ قرر تجريد حملة عسكرية إليهم يقودها بنفسه، لكن المنية وافته، قبل أن يتم ما عزم عليه، وقد حذا حذوه من بعده نائبه على مصر «صلاح الدين الأيوبى» فبدأ يرسل رسائل التهديد والوعيد إلى الشيخ «سنان»، ورد الأخير عليه ردوداً تعكس مدى استهانته به، وهوانه عليه، وجرد «صلاح الدين» جيشاً كبيراً لمحاربة الإسماعيلية ومحاصرة قلعة «مصياف»، لكنه عاد دون أن يفتحها، بعد أن طلب منه أحد أبناء عمومته ترك الإسماعيليين والتفرغ لمواجهة الصليبيين.
والعلاقة بين صلاح الدين الأيوبى والإسماعيليين قديمة تعود إلى الفترة التى جاء فيها إلى مصر بعد أن أرسل الخليفة الفاطمى «العاضد» إلى «نور الدين محمود» يستنجد به من هجمات الفرنجة على مصر، فأرسل إليه «أسد الدين شيركوه» مع ابن أخيه «صلاح الدين الأيوبى» للتصدى لهذه الهجمات، وبعد وفاة «شيركوه» دان أمر مصر لصلاح الدين. يقول ابن الأثير: «استمال صلاح الدين قلوب الناس، وبذل الأموال، فمالوا إليه وأحبوه وضعف أمر العاضد، ثم أرسل صلاح الدين يطلب من نور الدين أن يرسل إليه إخوته وأهله، فأرسلهم إليه، وشرّع عليهم طاعته والقيام بأمره ومساعدته، وكلهم فعل ذلك، وأُخذت إقطاعات الأمراء المصريين فأعطاها أهله والأمراء الذين معه، وزادهم، فازدادوا له حباً وطاعة». فى هذا التوقيت أرسل «نور الدين محمود» إلى صلاح الدين أمراً بقطع الخطبة للخليفة العاضد، وكان الأخير يخشى ثورة المصريين عليه إذا فعل ذلك. يقول «ابن الأثير»: «وكان سبب الخطبة العباسية بمصر أن صلاح الدين بن أيوب لما ثبت قدمه بمصر وزال المخالفون له، وضعف أمر الخليفة العاضد بها، وصار قصره يحكم فيه صلاح الدين ونائبه قراقوش، وهو خصى، كان من أعيان الأمراء الأسدية، كلهم يرجعون إليه، فكتب إليه نور الدين محمود بن زنكى يأمره بقطع الخطبة العاضدية، وإقامة الخطبة المستضيئية، فامتنع صلاح الدين، واعتذر بالخوف من أهل الديار المصرية عليه لميلهم إلى العلويين، وكان صلاح الدين يكره قطع الخطبة لهم، ويريد بقاءهم خوفاً من نور الدين، فإنه كان يخافه أن يدخل الديار المصرية ويأخذها منه، فكان يريد أن يكون العاضد معه، حتى إذا قصده نور الدين امتنع به وبأهل مصر عليه، فلما اعتذر إلى نور الدين بذلك لم يقبل عذره، وألح عليه بقطع خطبته، وألزمه إلزاماً لا فسحة له فى مخالفته، واتفق أن العاضد مرض هذا الوقت مرضاً شديداً، فلما عزم صلاح الدين على قطع خطبته استشار أمراءه، فمنهم من أشار به ولم يفكر بالمصريين، ومنهم من خافهم، إلا أنه لا يملك إلا الامتثال لأمر نور الدين».
الواضح أن صلاح الدين كان يدير الأمور بشكل يعكس مدى حرصه على السلطة، فلم يكن أمر المذاهب يشغله، سواء المذهب الشيعى أو السنى، وتردده فى طمس الهوية الشيعية لمصر حينذاك، لم يكن له من سبب سوى الخوف من الأهالى، ومن ثورتهم عليه. وتشير بعض كتب التاريخ إلى أنه لما أقيمت الخطبة للخليفة العباسى «لم ينتطح عنزان» فى هذا الأمر، رغم وقوع أحداث تدلل على عكس ذلك فيما بعد، الشاهد فى الأمر أن صلاح الدين انقلب على العاضد، إرضاء لنور الدين محمود، وقرر محو المذهب الشيعى تماماً من مصر، وإعادتها إلى حظيرة أهل السنة والجماعة، حين فطن إلى أن هذا التحول يخدم هدفه فى البقاء على كرسى السلطة. ويبدو أن مسألة «السلطنة» كانت تشغل صلاح الدين أكثر من غيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق