( صلاح الدين ) يحرق بيوت وأولاد ( الشيعة السودان )
على يد صلاح الدين الأيوبى تم إعلان شهادة وفاة الدولة الفاطمية، لم يكن «صلاح الدين» بالطبع هو السبب الوحيد لسقوط هذه الدولة، إذ كانت توشك على السقوط بفعل عوامل مختلفة قبل وصول «الناصر»، لكنه لعب دوراً مباشراً مهماً فى تصفية المذهب الإسماعيلى فى مصر، واتخذ عدداً من القرارات والإجراءات التى أدت إلى محو المذهب والمعبرين عنه والمؤمنين به من الواقع المصرى، واعتمد فى ذلك على نائبه «قراقوش» وكان خصياً أبيض -كما يقول ابن الأثير- حل محل مؤتمن الخليفة العاضد، وكان «إسماعيلياً» من السودان (أى السود)، وقد حاول الانقلاب على صلاح الدين بالاستعانة بالفرنج، لكن الأخير تمكن من رقبته وقتله. يحكى ابن الأثير أنه لما قُتل مؤتمن الخلافة: «غضب السودان الذين بمصر لمقتله حميه، ولأنه كان يتعصب لهم، فحشدوا وأجمعوا، فزادت عدتهم على خمسين ألفاً، وقصدوا حرب الأجناد الصلاحية، فاجتمع العسكر أيضاً وقاتلوهم بين القصرين، وكثر القتل فى الفريقين، فأرسل صلاح الدين إلى محلتهم المعروفة بالمنصورة، فأحرقها على أموالهم وأولادهم وحرمهم، فلما أتاهم الخبر بذلك ولوا منهزمين، فركبهم السيف، وأخذت عليهم أفواه السكك، فطلبوا الأمان بعد أن كثر فيهم القتل، فأجيبوا إلى ذلك، فأخرجوا من مصر إلى الجيزة، فعبر إليهم وزير الدولة توارن شاه أخو صلاح الدين الأكبر فى طائفة من العسكر، فأبادهم بالسيف، ولم يبق منهم إلا القليل الشريد».
المواجهة التى وقعت بين صلاح الدين والشيعة «السودان» تمنحنا مؤشراً على أن القضاء على الإسماعيليين فى مصر لم يكن بالأمر السهل ولا اليسير، وأن القول بأن قرار صلاح الدين بقطع الخطبة للخليفة الفاطمى وعقدها للخليفة العباسى مر على مصر بسلام ولم ينتطح فيه عنزان تعوزه الدقة، وليس أدل على ذلك من تلك الواقعة الكبرى التى تقاتل فيها خمسون ألفاً من السودان الإسماعيلية مع جنود صلاح الدين، وانتهت بأن أحرق عليهم السلطان ديارهم بما فيها من مال وولد! وسلط عليهم نائبه «قراقوش» يعمل فيهم يد التعذيب والمطاردة، وكما هى عادتهم تعامل المصريون مع تسلط «قراقوش» بسلاح السخرية، فألفوا حوله العديد من الحكايات المضحكة التى تهزأ به، وتربط تسلطه بفرط غبائه وتغفيله، وهى الحكايات التى يجمعها كتاب: «الفاشوش فى أحكام وحكايات قراقوش» الذى ألفه «الأسعد بن مماتى»، ولعلك تعلم تلك المقولة التى تتردد على ألسنة الكثيرين عند الضجر من تسلط أو قهر أحد لهم، وتأخذ شكل السؤال: «حكم قراقوش يعنى؟»، وهو ما يمنحنا مؤشراً عن الدور الذى لعبه نائب السلطان صلاح الدين فى مطاردة وملاحقة المصريين ممن ظلوا على ولائهم للمذهب الإسماعيلى، وما زالت الذاكرة الجمعية تستدعيه حتى الآن فى المواقف المماثلة.
ولا خلاف على أن الدور الذى لعبه صلاح الدين فى مطاردة الإسماعيلية بمصر كان له صدى شديد السلبية لدى الحشاشين المؤمنين بمذهب «الإسماعيلية النزارية»، خصوصاً فى الشام، وهم فى كل الأحوال لم يغفروا له أنه لعب الدور المباشر فى إسقاط الخلافة الفاطمية فى مصر، لكن يبقى أن علاقة الحشاشين فى الشام تحت قيادة الشيخ «راشد الدين بن سنان» بصلاح الدين لم تكن تسير على وتيرة واحدة، بل كانت تتأرجح ما بين الصعود والهبوط، والصداقة والعداء، تبعاً للمصالح، فشأن القيادات التى تتمتع بالذكاء السياسى فى كل زمان ومكان، كان كل من «صلاح الدين» والشيخ «سنان» لا يجيدان سوى الحديث بلغة المصالح، فكانا يتقاربان حين تتفق المصالح، ويتنافران ويتعاديان حين تتفرق بهما سبلها، فأحياناً ما كان يتعاون الطرفان على عدو مشترك، حين يكون لهما مصلحة واحدة فى ذلك، وفى مواقف عديدة لجأ صلاح الدين إلى الحشاشين لتنفيذ بعض العمليات التى يعجز عنها جنوده، وكان «الحشاشون» لا يبطئون عنه، خصوصاً فى المواقف التى يتوحد فيها الطرفان أمام عدو مشترك، من النماذج على ذلك الموقف الذى يحكيه «ابن الأثير» حول مقتل عدد من القادة الصليبيين خلال الحرب التى استعرت بينهم وبين المسلمين، يقول ابن الأثير: «فى هذه السنة، فى ثالث عشر ربيع الآخر، قتل المركيس -يقصد الماركيز كونراد- الفرنجى، لعنه الله، صاحب صور، وهو أكبر شياطين الفرنج، وكان سبب قتله أن صلاح الدين راسل مقدم الإسماعيلية، وهو سنان، وبذل له أن يرسل من يقتل ملك إنجلترا (يقصد ريتشارد قلب الأسد)، وإن قتل المركيس فله عشرة آلاف دينار، فلم يمكنهم قتل ملك إنجلترا، ولم يره سنان مصلحة لهم، لئلا يخلو وجه صلاح الدين من الفرنج ويتفرغ لهم، وشرِه فى أخذ المال، فعدل إلى قتل المركيس، فأرسل رجلين فى زى الرهبان، واتصلا بصاحب صيدا وابن بارزان، صاحب الرملة، وكانا مع المركيس بصور، فأقاما معهما ستة أشهر يظهران العبادة، فأنس بهما المركيس، ووثق بهما، فلما اطمأن لهما عمل الأسقف بصور دعوة للمركيس، فحضرها، وأكل طعامه، وشرب مدامه، وخرج من عنده، فوثب عليه الباطنيان المذكوران، فجرحاه جراحاً وثيقة، وهرب أحدهما، ودخل كنيسة يختفى فيها، فاتفق أن المركيس حمل إليها ليشد جراحه، فوثب عليه ذلك الباطنى فقتله، وقتل الباطنيان بعده».
على يد صلاح الدين الأيوبى تم إعلان شهادة وفاة الدولة الفاطمية، لم يكن «صلاح الدين» بالطبع هو السبب الوحيد لسقوط هذه الدولة، إذ كانت توشك على السقوط بفعل عوامل مختلفة قبل وصول «الناصر»، لكنه لعب دوراً مباشراً مهماً فى تصفية المذهب الإسماعيلى فى مصر، واتخذ عدداً من القرارات والإجراءات التى أدت إلى محو المذهب والمعبرين عنه والمؤمنين به من الواقع المصرى، واعتمد فى ذلك على نائبه «قراقوش» وكان خصياً أبيض -كما يقول ابن الأثير- حل محل مؤتمن الخليفة العاضد، وكان «إسماعيلياً» من السودان (أى السود)، وقد حاول الانقلاب على صلاح الدين بالاستعانة بالفرنج، لكن الأخير تمكن من رقبته وقتله. يحكى ابن الأثير أنه لما قُتل مؤتمن الخلافة: «غضب السودان الذين بمصر لمقتله حميه، ولأنه كان يتعصب لهم، فحشدوا وأجمعوا، فزادت عدتهم على خمسين ألفاً، وقصدوا حرب الأجناد الصلاحية، فاجتمع العسكر أيضاً وقاتلوهم بين القصرين، وكثر القتل فى الفريقين، فأرسل صلاح الدين إلى محلتهم المعروفة بالمنصورة، فأحرقها على أموالهم وأولادهم وحرمهم، فلما أتاهم الخبر بذلك ولوا منهزمين، فركبهم السيف، وأخذت عليهم أفواه السكك، فطلبوا الأمان بعد أن كثر فيهم القتل، فأجيبوا إلى ذلك، فأخرجوا من مصر إلى الجيزة، فعبر إليهم وزير الدولة توارن شاه أخو صلاح الدين الأكبر فى طائفة من العسكر، فأبادهم بالسيف، ولم يبق منهم إلا القليل الشريد».
المواجهة التى وقعت بين صلاح الدين والشيعة «السودان» تمنحنا مؤشراً على أن القضاء على الإسماعيليين فى مصر لم يكن بالأمر السهل ولا اليسير، وأن القول بأن قرار صلاح الدين بقطع الخطبة للخليفة الفاطمى وعقدها للخليفة العباسى مر على مصر بسلام ولم ينتطح فيه عنزان تعوزه الدقة، وليس أدل على ذلك من تلك الواقعة الكبرى التى تقاتل فيها خمسون ألفاً من السودان الإسماعيلية مع جنود صلاح الدين، وانتهت بأن أحرق عليهم السلطان ديارهم بما فيها من مال وولد! وسلط عليهم نائبه «قراقوش» يعمل فيهم يد التعذيب والمطاردة، وكما هى عادتهم تعامل المصريون مع تسلط «قراقوش» بسلاح السخرية، فألفوا حوله العديد من الحكايات المضحكة التى تهزأ به، وتربط تسلطه بفرط غبائه وتغفيله، وهى الحكايات التى يجمعها كتاب: «الفاشوش فى أحكام وحكايات قراقوش» الذى ألفه «الأسعد بن مماتى»، ولعلك تعلم تلك المقولة التى تتردد على ألسنة الكثيرين عند الضجر من تسلط أو قهر أحد لهم، وتأخذ شكل السؤال: «حكم قراقوش يعنى؟»، وهو ما يمنحنا مؤشراً عن الدور الذى لعبه نائب السلطان صلاح الدين فى مطاردة وملاحقة المصريين ممن ظلوا على ولائهم للمذهب الإسماعيلى، وما زالت الذاكرة الجمعية تستدعيه حتى الآن فى المواقف المماثلة.
ولا خلاف على أن الدور الذى لعبه صلاح الدين فى مطاردة الإسماعيلية بمصر كان له صدى شديد السلبية لدى الحشاشين المؤمنين بمذهب «الإسماعيلية النزارية»، خصوصاً فى الشام، وهم فى كل الأحوال لم يغفروا له أنه لعب الدور المباشر فى إسقاط الخلافة الفاطمية فى مصر، لكن يبقى أن علاقة الحشاشين فى الشام تحت قيادة الشيخ «راشد الدين بن سنان» بصلاح الدين لم تكن تسير على وتيرة واحدة، بل كانت تتأرجح ما بين الصعود والهبوط، والصداقة والعداء، تبعاً للمصالح، فشأن القيادات التى تتمتع بالذكاء السياسى فى كل زمان ومكان، كان كل من «صلاح الدين» والشيخ «سنان» لا يجيدان سوى الحديث بلغة المصالح، فكانا يتقاربان حين تتفق المصالح، ويتنافران ويتعاديان حين تتفرق بهما سبلها، فأحياناً ما كان يتعاون الطرفان على عدو مشترك، حين يكون لهما مصلحة واحدة فى ذلك، وفى مواقف عديدة لجأ صلاح الدين إلى الحشاشين لتنفيذ بعض العمليات التى يعجز عنها جنوده، وكان «الحشاشون» لا يبطئون عنه، خصوصاً فى المواقف التى يتوحد فيها الطرفان أمام عدو مشترك، من النماذج على ذلك الموقف الذى يحكيه «ابن الأثير» حول مقتل عدد من القادة الصليبيين خلال الحرب التى استعرت بينهم وبين المسلمين، يقول ابن الأثير: «فى هذه السنة، فى ثالث عشر ربيع الآخر، قتل المركيس -يقصد الماركيز كونراد- الفرنجى، لعنه الله، صاحب صور، وهو أكبر شياطين الفرنج، وكان سبب قتله أن صلاح الدين راسل مقدم الإسماعيلية، وهو سنان، وبذل له أن يرسل من يقتل ملك إنجلترا (يقصد ريتشارد قلب الأسد)، وإن قتل المركيس فله عشرة آلاف دينار، فلم يمكنهم قتل ملك إنجلترا، ولم يره سنان مصلحة لهم، لئلا يخلو وجه صلاح الدين من الفرنج ويتفرغ لهم، وشرِه فى أخذ المال، فعدل إلى قتل المركيس، فأرسل رجلين فى زى الرهبان، واتصلا بصاحب صيدا وابن بارزان، صاحب الرملة، وكانا مع المركيس بصور، فأقاما معهما ستة أشهر يظهران العبادة، فأنس بهما المركيس، ووثق بهما، فلما اطمأن لهما عمل الأسقف بصور دعوة للمركيس، فحضرها، وأكل طعامه، وشرب مدامه، وخرج من عنده، فوثب عليه الباطنيان المذكوران، فجرحاه جراحاً وثيقة، وهرب أحدهما، ودخل كنيسة يختفى فيها، فاتفق أن المركيس حمل إليها ليشد جراحه، فوثب عليه ذلك الباطنى فقتله، وقتل الباطنيان بعده».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق