البيعة .. طاعة للقيادة تعاهد على القتال
البيعة جوهر من جواهر الانضمام إلى جماعات السيف، وتمثل حالة من حالات الاسترجاع الأصولى لبيعة الرضوان التى وقعت قبيل صلح الحديبية، بعد تردد إشاعة عن مقتل عثمان بن عفان على أيدى مشركى مكة. فقد دعا النبى صلى الله عليه وسلم صحابته يومها إلى مبايعته على قتال قريش، وسُميت ببيعة «الرضوان»، لأن الله رضى عن المشاركين فيها، مصداقاً لقوله تعالى: «لَقَدْ رَضِىَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً». وربما كانت جماعة «الحشاشين» أول من استعاد هذا التقليد، ولكن فى سياق مختلف، حين بدأت عناقيد الغضب رحلتها الأولى، وبدأت تعالج خصوماتها وتسعى إلى تحقيق أهدافها من خلال السيف، حتى ولو كان موجهاً نحو مسلمين، وكان مبرر ذلك نظرتهم إلى غيرهم ممن ينطقون بشهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله كمجموعة من الضالين الذين غاب عنهم الفهم الصحيح للإسلام، وأن جماعتهم هى القادرة على انتشال هؤلاء من وهدة الضلال، لأنها تمتلك فهماً صحيحاً، ومن عداها فى ضلال مبين.
طبيعة وأهداف فرق الاغتيال أو الموت، كما أسس لها الحسن الصباح، جعلت من البيعة ضرورة لازمة وفريضة واجبة على العضو المنخرط فيها، لأن أصل فكرة البيعة هو الطاعة، وجوهرها التعاهد على القتال. يشير «المقريزى» فى خططه إلى أنه لم يكن يسمح للمدعو بالاندماج داخل «جماعة المذهب»، والانخراط فيها إلا بعد أن يأخذ منه الداعية «صفقة يده»، أو «البيعة» بالتعبير الحديث، ليصبح رفيقاً (يطلق على العضو المنتمى أو المبايع فى أدبيات الحشاشين «الرفيق») وكان نص البيعة، كما يقرر المقريزى، على النحو التالى: «يقول الداعية للمدعو: أخبر الله تعالى أنه لم يملك حقه إلا من أخذ عهده، فأعطنا صفقة يمينك، وعاهدنا بالموكّد من أيمانك وعقودك ألا تُفشى لنا سراً، ولا تُظاهر علينا أحداً، ولا تطلب لنا غيلة، ولا تكتمنا نصحاً، ولا توالى لنا عدواً، فإذا أعطى المدعو العهد قال له الداعى: أعطنا جُعلاً من مالك نجعله مقدمة أمام كشفنا لك الأمور وتعريفك إياها، والرسم فى هذا الجُعل بحسب ما يراه الداعى».
والمتأمل لنص البيعة السابق يلاحظ بُعدها الواضح عن المسألة الدينية أو الإيمانية، ويلاحظ أن اسم الله تعالى لا يحضر فيها إلا فى سياق التوثيق وعقد الأيمان، وهى فى المجمل تؤكد على الحفاظ على أسرار الجماعة (الحشاشين)، والولاء القاطع لها، وعدم الكيد لها أو مظاهرة عدو عليها. وترتكن كافة الجماعات التى تشكلت فى تاريخنا الحديث والمعاصر إلى فكرة البيعة، وتنص عليها كبوابة لانضمام العضو إليها. يحدث هذا داخل جماعة الإخوان، حيث جعل المرحوم حسن البنا -المرشد الأول لها- «البيعة» مدخلاً لعبور العضو العامل إلى الجماعة. ويبايع عضو الإخوان إمامه بالنص التالى: «أبايعك بعهد الله وميثاقه على أن أكون جندياً مخلصاً فى جماعة الإخوان المسلمين، وعلى أن أسمع وأطيع فى العسر واليسر، والمنشط والمكره، إلا فى معصية الله، وعلى أثرة علىّ، وعلى ألا أنازع الأمر أهله، وعلى أن أبذل جهدى ومالى ودمى فى سبيل الله ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. والله على ما أقول وكيل: (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)». وكما هو الحال فى بيعة «الحشيشية» يحضر المولى عز وجل فى البيعة الإخوانية فى سياق الحلف والتوثيق، وتظهر مرتكزات الجندية -بما تحمله من دلالات قتالية- والإخلاص للإخوان، بالإضافة إلى الطاعة، والخضوع لأولى الأمر داخل الجماعة، وعدم منازعتهم فى مواقعهم القيادية، بالإضافة إلى بذل الجهد والمال (الجُعل بالتعبير الحشيشى) فى سبيل الله (كما تحدده الجماعة بالطبع).
وتظهر البيعة أيضاً فى تنظيم «داعش» ونصُّها: «أبايع أمير المؤمنين أبا بكر البغدادى الحسينى القرشى على السمع والطاعة، فى المنشط والمكره، والعسر واليسر، وعلى إقامة دين الله، وجهاد عدو الله، وعلى إقامة الدولة الإسلامية، والذبّ عنها، والله على ما أقول شهيد». وواضح فى نص البيعة «الداعشية» حالة التقاطع بينها وبين البيعة الإخوانية، خصوصاً فى سياق التأكيد على مفهوم طاعة الإمام، ومفهوم الجهاد والقتال من أجل تحقيق أهداف «الجهاد فى سبيل الله» و«إقامة دين الله وإقامة الدولة الإسلامية» التى تتخفى وراءها الأهداف السياسية لكل من «الإخوان» و«داعش». فى كل الأحوال تشكل «بيعة الإمام» أو القائد الذى يسوس الجماعة، بدءاً من الحسن الصباح وحتى أبى بكر البغدادى، ركناً أصيلاً من أركان التجنيد داخل جماعات الغضب، وإذا كان لفظ الإمام لا يتسق مع سياق تنظيم «داعش» الذى يصف قائده بـ«الخليفة»، انطلاقاً من أن التنظيم هو فى التحليل الأخير عبارة عن «دولة»، خلافاً للجماعات الأخرى، على الأقل حتى الآن، فإنه متسق إلى حد كبير مع القاموس الإخوانى الذى يلقب المرشد العام فيه بـ«الإمام» فى تقاطع غريب بين ذلك الوصف الشيعى الأصيل وبين الجماعة التى تدين بمذهب أهل السنة والجماعة، وكأنها تؤيد التسنن فى الدين والتشيع فى السياسة.
البيعة جوهر من جواهر الانضمام إلى جماعات السيف، وتمثل حالة من حالات الاسترجاع الأصولى لبيعة الرضوان التى وقعت قبيل صلح الحديبية، بعد تردد إشاعة عن مقتل عثمان بن عفان على أيدى مشركى مكة. فقد دعا النبى صلى الله عليه وسلم صحابته يومها إلى مبايعته على قتال قريش، وسُميت ببيعة «الرضوان»، لأن الله رضى عن المشاركين فيها، مصداقاً لقوله تعالى: «لَقَدْ رَضِىَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً». وربما كانت جماعة «الحشاشين» أول من استعاد هذا التقليد، ولكن فى سياق مختلف، حين بدأت عناقيد الغضب رحلتها الأولى، وبدأت تعالج خصوماتها وتسعى إلى تحقيق أهدافها من خلال السيف، حتى ولو كان موجهاً نحو مسلمين، وكان مبرر ذلك نظرتهم إلى غيرهم ممن ينطقون بشهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله كمجموعة من الضالين الذين غاب عنهم الفهم الصحيح للإسلام، وأن جماعتهم هى القادرة على انتشال هؤلاء من وهدة الضلال، لأنها تمتلك فهماً صحيحاً، ومن عداها فى ضلال مبين.
طبيعة وأهداف فرق الاغتيال أو الموت، كما أسس لها الحسن الصباح، جعلت من البيعة ضرورة لازمة وفريضة واجبة على العضو المنخرط فيها، لأن أصل فكرة البيعة هو الطاعة، وجوهرها التعاهد على القتال. يشير «المقريزى» فى خططه إلى أنه لم يكن يسمح للمدعو بالاندماج داخل «جماعة المذهب»، والانخراط فيها إلا بعد أن يأخذ منه الداعية «صفقة يده»، أو «البيعة» بالتعبير الحديث، ليصبح رفيقاً (يطلق على العضو المنتمى أو المبايع فى أدبيات الحشاشين «الرفيق») وكان نص البيعة، كما يقرر المقريزى، على النحو التالى: «يقول الداعية للمدعو: أخبر الله تعالى أنه لم يملك حقه إلا من أخذ عهده، فأعطنا صفقة يمينك، وعاهدنا بالموكّد من أيمانك وعقودك ألا تُفشى لنا سراً، ولا تُظاهر علينا أحداً، ولا تطلب لنا غيلة، ولا تكتمنا نصحاً، ولا توالى لنا عدواً، فإذا أعطى المدعو العهد قال له الداعى: أعطنا جُعلاً من مالك نجعله مقدمة أمام كشفنا لك الأمور وتعريفك إياها، والرسم فى هذا الجُعل بحسب ما يراه الداعى».
والمتأمل لنص البيعة السابق يلاحظ بُعدها الواضح عن المسألة الدينية أو الإيمانية، ويلاحظ أن اسم الله تعالى لا يحضر فيها إلا فى سياق التوثيق وعقد الأيمان، وهى فى المجمل تؤكد على الحفاظ على أسرار الجماعة (الحشاشين)، والولاء القاطع لها، وعدم الكيد لها أو مظاهرة عدو عليها. وترتكن كافة الجماعات التى تشكلت فى تاريخنا الحديث والمعاصر إلى فكرة البيعة، وتنص عليها كبوابة لانضمام العضو إليها. يحدث هذا داخل جماعة الإخوان، حيث جعل المرحوم حسن البنا -المرشد الأول لها- «البيعة» مدخلاً لعبور العضو العامل إلى الجماعة. ويبايع عضو الإخوان إمامه بالنص التالى: «أبايعك بعهد الله وميثاقه على أن أكون جندياً مخلصاً فى جماعة الإخوان المسلمين، وعلى أن أسمع وأطيع فى العسر واليسر، والمنشط والمكره، إلا فى معصية الله، وعلى أثرة علىّ، وعلى ألا أنازع الأمر أهله، وعلى أن أبذل جهدى ومالى ودمى فى سبيل الله ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. والله على ما أقول وكيل: (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)». وكما هو الحال فى بيعة «الحشيشية» يحضر المولى عز وجل فى البيعة الإخوانية فى سياق الحلف والتوثيق، وتظهر مرتكزات الجندية -بما تحمله من دلالات قتالية- والإخلاص للإخوان، بالإضافة إلى الطاعة، والخضوع لأولى الأمر داخل الجماعة، وعدم منازعتهم فى مواقعهم القيادية، بالإضافة إلى بذل الجهد والمال (الجُعل بالتعبير الحشيشى) فى سبيل الله (كما تحدده الجماعة بالطبع).
وتظهر البيعة أيضاً فى تنظيم «داعش» ونصُّها: «أبايع أمير المؤمنين أبا بكر البغدادى الحسينى القرشى على السمع والطاعة، فى المنشط والمكره، والعسر واليسر، وعلى إقامة دين الله، وجهاد عدو الله، وعلى إقامة الدولة الإسلامية، والذبّ عنها، والله على ما أقول شهيد». وواضح فى نص البيعة «الداعشية» حالة التقاطع بينها وبين البيعة الإخوانية، خصوصاً فى سياق التأكيد على مفهوم طاعة الإمام، ومفهوم الجهاد والقتال من أجل تحقيق أهداف «الجهاد فى سبيل الله» و«إقامة دين الله وإقامة الدولة الإسلامية» التى تتخفى وراءها الأهداف السياسية لكل من «الإخوان» و«داعش». فى كل الأحوال تشكل «بيعة الإمام» أو القائد الذى يسوس الجماعة، بدءاً من الحسن الصباح وحتى أبى بكر البغدادى، ركناً أصيلاً من أركان التجنيد داخل جماعات الغضب، وإذا كان لفظ الإمام لا يتسق مع سياق تنظيم «داعش» الذى يصف قائده بـ«الخليفة»، انطلاقاً من أن التنظيم هو فى التحليل الأخير عبارة عن «دولة»، خلافاً للجماعات الأخرى، على الأقل حتى الآن، فإنه متسق إلى حد كبير مع القاموس الإخوانى الذى يلقب المرشد العام فيه بـ«الإمام» فى تقاطع غريب بين ذلك الوصف الشيعى الأصيل وبين الجماعة التى تدين بمذهب أهل السنة والجماعة، وكأنها تؤيد التسنن فى الدين والتشيع فى السياسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق