قـتـل نـجـاراً فـقـتـلـنـاه بـــه
مثل أى جماعة سرية مسلحة تعتمد على التراتبية التنظيمية، كان يتم تصنيف من يعيشون داخل قلعة آلموت فى مجموعة من المراتب، أو الدرجات، التى تبدأ بـ«شيخ الجبل» وهو الحسن الصباح رأس السلطة داخل القلعة، ويأتى فى المرتبة الثانية كبار الدعاة المسئولين عن توجيه وإرشاد الدعاة العاديين الذين ينهضون بمهمة تربية الكوادر الجديدة التى تنضم إلى التنظيم، يظهر بعد ذلك «الرفاق» -من الكوادر التى تم تجنيدها- فى المرتبة الثالثة، ثم تأتى مجموعة «الفداوية» المسئولة عن تنفيذ عمليات الاغتيال، وهى كوادر من طراز خاص، يتم إعدادها وتهيئتها ذهنياً ونفسياً وبدنياً بالاستناد إلى طرق وأساليب محددة، ومن هذه الكوادر تتشكل «فرق الموت»، ثم يأتى «اللاصقون» فى المرتبة الأخيرة، ويتحددون فى الأفراد العاديين المحبين للتنظيم أو المتعاطفين معه، ولأن كل «جماعات السيف» التى نشأت بعد «الحشاشين» نهجت نهجها فى السرية والعمل المسلح، فقد اعتمدت هى الأخرى مجموعة من التصنيفات الأساسية للكوادر المنخرطة فيها.
داخل جماعة الإخوان -على سبيل المثال- يأتى على رأس التراتبية التنظيمية المرشد العام وهو رأس السلطة بها، ويعد مقابلاً موضوعياً لرتبة «شيخ الجبل»، يليه فى ذلك «الأخ المجاهد» المستعد للتضحية بماله وحياته فى سبيل الدعوة (فكر الجماعة)، ويقابل هؤلاء فى تنظيم الحشاشين «الفداوية»، وهناك مراتب أخرى بعد ذلك تصنف فى إطارها كوادر الجماعة تشمل: الأخ العامل (يقابلها الرفيق بالمصطلح الحشيشى)، ويعد جزءاً من التنظيم ومنضماً إليه بشكل رسمى، ثم الأخ المنتسب الذى يساهم فى خدمة أهداف الجماعة، ويعمل تحت مظلة شعاراتها وأفكارها، بشكل غير رسمى، وهناك الأخ المحب -أو اللاصق بالمصطلح الحشيشى- الذى يعد للدخول إلى مرتبة المنتسب ثم العامل بعد ذلك.
المجموعة الأخطر فى فرق الحشاشين كانت تلك الموصوفة بـ«الفداوية» أو «الضراوية» التى تنفذ عمليات الاغتيال، وارتبطت بداية عملها بواقعة ملفتة، يرجح بعض الباحثين أنها حدثت قبل استيلاء «الصباح» على قلعة «آلموت». يذكر «ابن الأثير» تفاصيل هذه الواقعة قائلاً: «أمر السلطان بقتل الباطنية، وهم الإسماعيلية وهم الذين كانوا قديماً يسمون قرامطة، ونحن نبتدئ بأول أمرهم الآن ثم بسبب قتلهم، فأول ما عرف من أحوالهم، أعنى هذه الدعوة الأخيرة التى اشتهرت بالباطنية، والإسماعيلية، فى أيام السلطان ملكشاه، فإنه اجتمع منهم ثمانية عشر رجلاً، فصلوا صلاة العيد فى ساوة، ففطن بهم آمر الشرطة، فأخذهم وحبسهم، ثم سئل فيهم فأطلقهم، فهذا أول اجتماع كان لهم، ثم إنهم دعوا مؤذناً من أهل ساوة كان مقيماً بأصبهان، فلم يجبهم إلى دعوتهم، فخافوه أن ينم عليهم، فقتلوه، فهو أول قتيل لهم، وأول دم أراقوه، فبلغ خبره إلى نظام الملك، فأمر بأخذ من يتهم بقتله، فوقعت التهمة على نجار اسمه طاهر، فقُتل، ومُثّل به، وجروا برجله فى الأسواق، فهو أول قتيل منهم».
تشير الواقعة السابقة إلى أن «الحشاشين» كان أول تنظيم يبتكر نظام الأسر، والدعوة الفردية لتكوين الخلايا الصغيرة، التى تتشكل من بسطاء الناس (نقيب هذه الأسرة كان نجاراً)، وأن الجانب السرى كان واضحاً فى أسلوب عملهم، بدليل أنهم تخلصوا من المؤذن الذى لم يستجب لدعوتهم، وقاموا بقتله، خوفاً من أن يفشى سرهم، فكان فى قتله فضحهم، وانتهى الأمر بالقبض على أعضاء الأسرة الثمانية عشر، وتم تنفيذ ما يشبه حكم الإعدام الشعبى على نقيبهم أو أميرهم المدعو «طاهر» وتم سحله وجره من رجليه بالأسواق فى مشهد، ربما يذكر القارئ الكريم أنه سمع أو رأى مثيلاً له منذ ما يقرب من عامين بقرية «زاوية أبومسلم» بمركز أبوالنمرس بالجيزة.
ويقول «ابن الأثير» إن تلك كانت «أول فتكة مشهورة كانت لهم»، يقصد الإسماعيلية، وقد تعددت هذه الفتكات بعد ذلك، إذ كان يكفى أن يقال إن هذه المجموعة أو تلك من الإسماعيليين، أو النزارية، أو الحشيشية، لينقض عليهم العامة ويفتكون بهم، مدفوعين فى ذلك بجهاز دعائى كان يستند بلا شك إلى العديد من الحقائق فى تعرية هذه المجموعات أمام الناس، لكنه فى المقابل، كان يستند إلى جملة من الأكاذيب، معتمداً فى ذلك على تمركز السلطة كمصدر للمعرفة والمعلومات داخل هذه المجتمعات (كانت تلك ولا تزال هى القاعدة المسيطرة)، بالإضافة إلى حالة العداء الأزلى بين الفكر السائد المهيمن على عقول البشر، وأى أفكار أخرى تحاول أن تطرح نفسها كبديل لما هو سائد، والناس فى الأغلب أسرى السائد، وبغض النظر عن درجة الوجاهة فيما طرحه «الحشاشون» من أفكار، إلا أن المؤكد أنهم حاولوا تقديم أنفسهم كمناصرين للفقراء والبسطاء، على سبيل الدعاية بالطبع، لكن دعايتهم المعتمدة على أفكار مخالفة للشائع كانت تنهزم فى الكثير من الأحيان أمام الدعاية المؤيدة والمروجة للسائد، وفى المجمل العام يمكن القول بأن الحشاشين لم يتورعوا هم الآخرون عن توظيف فرق «الفداوية» فى تصفية خصومهم بمنتهى الدموية، سواء كانوا فى مواقع السلطة أو فى دوائر العوام، وكان أشهر من أعملوا فيه خناجرهم بعد هذه الواقعة هو الوزير «نظام الملك» نفسه، وعندما ثأروا لأنفسهم -كما ذكر ابن الأثير- قالوا: قتل نجاراً -يقصدون نظام الملك- فقتلناه به!
مثل أى جماعة سرية مسلحة تعتمد على التراتبية التنظيمية، كان يتم تصنيف من يعيشون داخل قلعة آلموت فى مجموعة من المراتب، أو الدرجات، التى تبدأ بـ«شيخ الجبل» وهو الحسن الصباح رأس السلطة داخل القلعة، ويأتى فى المرتبة الثانية كبار الدعاة المسئولين عن توجيه وإرشاد الدعاة العاديين الذين ينهضون بمهمة تربية الكوادر الجديدة التى تنضم إلى التنظيم، يظهر بعد ذلك «الرفاق» -من الكوادر التى تم تجنيدها- فى المرتبة الثالثة، ثم تأتى مجموعة «الفداوية» المسئولة عن تنفيذ عمليات الاغتيال، وهى كوادر من طراز خاص، يتم إعدادها وتهيئتها ذهنياً ونفسياً وبدنياً بالاستناد إلى طرق وأساليب محددة، ومن هذه الكوادر تتشكل «فرق الموت»، ثم يأتى «اللاصقون» فى المرتبة الأخيرة، ويتحددون فى الأفراد العاديين المحبين للتنظيم أو المتعاطفين معه، ولأن كل «جماعات السيف» التى نشأت بعد «الحشاشين» نهجت نهجها فى السرية والعمل المسلح، فقد اعتمدت هى الأخرى مجموعة من التصنيفات الأساسية للكوادر المنخرطة فيها.
داخل جماعة الإخوان -على سبيل المثال- يأتى على رأس التراتبية التنظيمية المرشد العام وهو رأس السلطة بها، ويعد مقابلاً موضوعياً لرتبة «شيخ الجبل»، يليه فى ذلك «الأخ المجاهد» المستعد للتضحية بماله وحياته فى سبيل الدعوة (فكر الجماعة)، ويقابل هؤلاء فى تنظيم الحشاشين «الفداوية»، وهناك مراتب أخرى بعد ذلك تصنف فى إطارها كوادر الجماعة تشمل: الأخ العامل (يقابلها الرفيق بالمصطلح الحشيشى)، ويعد جزءاً من التنظيم ومنضماً إليه بشكل رسمى، ثم الأخ المنتسب الذى يساهم فى خدمة أهداف الجماعة، ويعمل تحت مظلة شعاراتها وأفكارها، بشكل غير رسمى، وهناك الأخ المحب -أو اللاصق بالمصطلح الحشيشى- الذى يعد للدخول إلى مرتبة المنتسب ثم العامل بعد ذلك.
المجموعة الأخطر فى فرق الحشاشين كانت تلك الموصوفة بـ«الفداوية» أو «الضراوية» التى تنفذ عمليات الاغتيال، وارتبطت بداية عملها بواقعة ملفتة، يرجح بعض الباحثين أنها حدثت قبل استيلاء «الصباح» على قلعة «آلموت». يذكر «ابن الأثير» تفاصيل هذه الواقعة قائلاً: «أمر السلطان بقتل الباطنية، وهم الإسماعيلية وهم الذين كانوا قديماً يسمون قرامطة، ونحن نبتدئ بأول أمرهم الآن ثم بسبب قتلهم، فأول ما عرف من أحوالهم، أعنى هذه الدعوة الأخيرة التى اشتهرت بالباطنية، والإسماعيلية، فى أيام السلطان ملكشاه، فإنه اجتمع منهم ثمانية عشر رجلاً، فصلوا صلاة العيد فى ساوة، ففطن بهم آمر الشرطة، فأخذهم وحبسهم، ثم سئل فيهم فأطلقهم، فهذا أول اجتماع كان لهم، ثم إنهم دعوا مؤذناً من أهل ساوة كان مقيماً بأصبهان، فلم يجبهم إلى دعوتهم، فخافوه أن ينم عليهم، فقتلوه، فهو أول قتيل لهم، وأول دم أراقوه، فبلغ خبره إلى نظام الملك، فأمر بأخذ من يتهم بقتله، فوقعت التهمة على نجار اسمه طاهر، فقُتل، ومُثّل به، وجروا برجله فى الأسواق، فهو أول قتيل منهم».
تشير الواقعة السابقة إلى أن «الحشاشين» كان أول تنظيم يبتكر نظام الأسر، والدعوة الفردية لتكوين الخلايا الصغيرة، التى تتشكل من بسطاء الناس (نقيب هذه الأسرة كان نجاراً)، وأن الجانب السرى كان واضحاً فى أسلوب عملهم، بدليل أنهم تخلصوا من المؤذن الذى لم يستجب لدعوتهم، وقاموا بقتله، خوفاً من أن يفشى سرهم، فكان فى قتله فضحهم، وانتهى الأمر بالقبض على أعضاء الأسرة الثمانية عشر، وتم تنفيذ ما يشبه حكم الإعدام الشعبى على نقيبهم أو أميرهم المدعو «طاهر» وتم سحله وجره من رجليه بالأسواق فى مشهد، ربما يذكر القارئ الكريم أنه سمع أو رأى مثيلاً له منذ ما يقرب من عامين بقرية «زاوية أبومسلم» بمركز أبوالنمرس بالجيزة.
ويقول «ابن الأثير» إن تلك كانت «أول فتكة مشهورة كانت لهم»، يقصد الإسماعيلية، وقد تعددت هذه الفتكات بعد ذلك، إذ كان يكفى أن يقال إن هذه المجموعة أو تلك من الإسماعيليين، أو النزارية، أو الحشيشية، لينقض عليهم العامة ويفتكون بهم، مدفوعين فى ذلك بجهاز دعائى كان يستند بلا شك إلى العديد من الحقائق فى تعرية هذه المجموعات أمام الناس، لكنه فى المقابل، كان يستند إلى جملة من الأكاذيب، معتمداً فى ذلك على تمركز السلطة كمصدر للمعرفة والمعلومات داخل هذه المجتمعات (كانت تلك ولا تزال هى القاعدة المسيطرة)، بالإضافة إلى حالة العداء الأزلى بين الفكر السائد المهيمن على عقول البشر، وأى أفكار أخرى تحاول أن تطرح نفسها كبديل لما هو سائد، والناس فى الأغلب أسرى السائد، وبغض النظر عن درجة الوجاهة فيما طرحه «الحشاشون» من أفكار، إلا أن المؤكد أنهم حاولوا تقديم أنفسهم كمناصرين للفقراء والبسطاء، على سبيل الدعاية بالطبع، لكن دعايتهم المعتمدة على أفكار مخالفة للشائع كانت تنهزم فى الكثير من الأحيان أمام الدعاية المؤيدة والمروجة للسائد، وفى المجمل العام يمكن القول بأن الحشاشين لم يتورعوا هم الآخرون عن توظيف فرق «الفداوية» فى تصفية خصومهم بمنتهى الدموية، سواء كانوا فى مواقع السلطة أو فى دوائر العوام، وكان أشهر من أعملوا فيه خناجرهم بعد هذه الواقعة هو الوزير «نظام الملك» نفسه، وعندما ثأروا لأنفسهم -كما ذكر ابن الأثير- قالوا: قتل نجاراً -يقصدون نظام الملك- فقتلناه به!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق