جــنـة ( آلــمــوت ) .. ونـارهـا
رسم المؤرخون صورة لقلعة «آلموت» يختلط فيها الواقع بالخيال والحقيقة بالأسطورة، ولم يلتفتوا، وهم يكتبون عنها، إلى أهواء المؤرخين ومذاهبهم التى انعكست على وصفهم لها، وتشخيص حالة من كان يتحرك على مسرحها، وما كانت تشهده من أحداث، وقد بلغ بهم الخيال مبلغه حين تحدثوا عن «الفردوس الأعلى» أو «الجنة» التى شيدها الحسن الصباح داخل القلعة، وتغزلوا فى وصف جماليات الحديقة التى اشتملت عليها، وكيف كانت تحتشد بكافة أنواع الأشجار والثمار، وتجرى بها الأنهار التى يتدفق فيها اللبن والعسل المصفى، وتتجول فيها الحور العين، ليهدين جمالهن إلى من يسمح له «شيخ الجبل» بدخول الجنة.
ذهب المؤرخون إلى أن «الصباح» شيد جنة على غرار الجنة التى وعد الله المتقين فى القرآن الكريم، وقطع بعضهم بأن الشيخ كان يمنح الفدائيين الذين يعدهم للقيام بعمليات الاغتيال مخدر «الحشيش»، ثم يدخلهم جنته لينعموا بما فيها من أطايب، ليطلقهم بعد ذلك على من يشاء من أعدائه ليعملوا فيهم خناجرهم، واعداً إياهم بأنهم بعد تنفيذ الاغتيالات سيخلدون فى هذه الجنة إلى الأبد، وقصة «الحديقة» وتعاطى مخدر «الحشيش» تبدو إلى الخيال الدرامى أقرب منها إلى حقائق ومعطيات الواقع، وقد ذكرت لك فيما سبق أن القدرة على التحكم فى حواس الجسد كانت تشكل جانباً من جوانب تدريب الفدائيين، وأن المسألة لم تكن مرتبطة بتعاطى «الحشيش»، وأن من تحركوا مع الحسن الصباح رأوا فيه أملاً، وزعيماً قادراً على إخراجهم من صحراء الظلم إلى جنات العدل، كان «شيخ الجبل» دقيقاً فى اختيار كوادره ممن يعانون إحساساً بالظلم، ليمارس عليهم تأثيره، مستغلاً قدراته الشخصية، ومهارته فى الإقناع، بحيث ينتهى الشخص إلى فكرة أن الحسن الصباح هو المخلص، وأن قلعة «آلموت» أرض الخلاص.
وقد جعل الحسن الصباح من قلعة آلموت نموذجاً استثنائياً، وسط نماذج لدول وجماعات تفشى فيها الظلم، وعم الفساد، وبقدر ما كان شيخ الجبل ميالاً إلى جعل الحياة داخل القلعة شديدة الصرامة والجدية، بقدر ما كان يستند إلى العدل فى حكم من يعيشون فيها، حتى ولو كانوا أبناءه، ويشير بعض المؤرخين إلى أنه قتل اثنين من أبنائه، وكانت جريمة أحدهما مجرد شرب الخمر، وبغض النظر عن جوانب الشطط الذى يصل إلى حد الخيال فيما يرويه المؤرخون حول عدل أو ظلم الحسن الصباح، إلا أن الباحث المدقق لا يملك وهو يحلل شخصية الرجل إلا أن يقرر أننا بصدد شخصية من طراز خاص، تتفاعل بداخلها الكثير من الثنائيات، من بينها على سبيل المثال: ثنائية الطموح والزهد، فبقدر ما تمتع «الصباح» بالطموح السياسى، فقد عاش حياته فى القلعة داخل حجرته التى لم يكن يخرج منها، إلا لماماً، وانكب على البحث والقراءة وكتابة رسائله الدعوية إلى مريديه، أضف إلى ذلك ثنائية رفض الظلم ومحبة العدل، ثم معالجة الظلم بظلم أكبر، ويبدو أن ذلك هو ديدن الثوار فى كل زمان ومكان، فهم يتحركون فى تمردهم على الواقع بدافع مقاومة الظلم، وبمجرد أن تواتيهم الفرصة تجدهم يسفكون الدماء، وهم الذين تباكوا بالأمس على الدم المسفوح، لكن يبقى أن «الصباح» استطاع أن يقدم نفسه فى صورة «المخلص» بالنسبة للبسطاء من الناس.
يقول «محمد كامل حسين» -فى كتابه «طائفة الإسماعيلية»- «لما عاد الحسن الصباح من مصر جمع حوله مجموعة من الفلاحين الإيرانيين، واستجاب له كل من شعر بظلم السلاجقة الأتراك وسوء حكمهم، ولا سيما السلطان ملكشاه السلجوقى الذى كان ظالماً غشوماً إلى أبعد حد، فقد اضطهد الناس جميعاً، ولا سيما الشيعة الإسماعيلية، وقتل منهم عدداً كبيراً، مما جعل الناس فى عهده تراودهم أحلام الشيعة الذهبية القديمة، من تمنى وجود إمام عادل يملأ الدنيا عدلاً بعد أن ملئت جوراً، فجاءهم الحسن الصباح يبشرهم بقرب تحقيق هذا الحلم»، ومن هؤلاء الفلاحين شكل «الحسن الصباح» فرق الاغتيالات الأولى التى استخدمها فى تصفية خصومه ومناوئيه، حتى انتهى به الأمر إلى الاستيلاء على قلعة «آلموت»، وعادى الحسن الصباح الجميع: الإسماعيلية المستعلية الذين أيدوا إمامة المستعلى، وبخسوا حق نزار بن المستنصر فى ولاية عهد أبيه، والسلاجقة الأتراك الذين كانوا يطاردون الإسماعيليين، والصليبيين الغربيين الذين جاءوا طامعين فى أرض المسلمين، والخلافة العباسية، والدولة الأيوبية، كان الحسن الصباح تركيبة تستعذب معاداة الجميع، لأنها ترى فى نفسها موطن الحق والحقيقة، وتعتبر غيرها على ضلال وباطل.
من داخل قلعة «آلموت» أدار الحسن الصباح عملياته، منتهجاً أسلوباً غير تقليدى فى القتال، لا يعتمد على فكرة «الجيش النظامى»، بل على فرق تنفذ عمليات محددة بأعلى درجات الدقة، وبالتالى يمكن القول بأنه خاض شكلاً من أشكال «حرب العصابات»، ونجح بها فى تدويخ أعدائه، وبث فى خصومه حالة من الرعب العنيف، بعد أن سيطر عليهم إحساس بأنهم معرضون للاغتيال بخناجر «الحشاشين» فى أى لحظة، وأنها قادرة على الوصول إليهم فى أى مكان، ودرس «حرب العصابات» كان من أهم وأخطر الدروس التى تعلمتها «جماعات السيف» من تنظيم «الحشاشين»، واعتبروها سبيلهم الوحيد لمواجهة الجيوش النظامية داخل المجتمعات المختلفة.
رسم المؤرخون صورة لقلعة «آلموت» يختلط فيها الواقع بالخيال والحقيقة بالأسطورة، ولم يلتفتوا، وهم يكتبون عنها، إلى أهواء المؤرخين ومذاهبهم التى انعكست على وصفهم لها، وتشخيص حالة من كان يتحرك على مسرحها، وما كانت تشهده من أحداث، وقد بلغ بهم الخيال مبلغه حين تحدثوا عن «الفردوس الأعلى» أو «الجنة» التى شيدها الحسن الصباح داخل القلعة، وتغزلوا فى وصف جماليات الحديقة التى اشتملت عليها، وكيف كانت تحتشد بكافة أنواع الأشجار والثمار، وتجرى بها الأنهار التى يتدفق فيها اللبن والعسل المصفى، وتتجول فيها الحور العين، ليهدين جمالهن إلى من يسمح له «شيخ الجبل» بدخول الجنة.
ذهب المؤرخون إلى أن «الصباح» شيد جنة على غرار الجنة التى وعد الله المتقين فى القرآن الكريم، وقطع بعضهم بأن الشيخ كان يمنح الفدائيين الذين يعدهم للقيام بعمليات الاغتيال مخدر «الحشيش»، ثم يدخلهم جنته لينعموا بما فيها من أطايب، ليطلقهم بعد ذلك على من يشاء من أعدائه ليعملوا فيهم خناجرهم، واعداً إياهم بأنهم بعد تنفيذ الاغتيالات سيخلدون فى هذه الجنة إلى الأبد، وقصة «الحديقة» وتعاطى مخدر «الحشيش» تبدو إلى الخيال الدرامى أقرب منها إلى حقائق ومعطيات الواقع، وقد ذكرت لك فيما سبق أن القدرة على التحكم فى حواس الجسد كانت تشكل جانباً من جوانب تدريب الفدائيين، وأن المسألة لم تكن مرتبطة بتعاطى «الحشيش»، وأن من تحركوا مع الحسن الصباح رأوا فيه أملاً، وزعيماً قادراً على إخراجهم من صحراء الظلم إلى جنات العدل، كان «شيخ الجبل» دقيقاً فى اختيار كوادره ممن يعانون إحساساً بالظلم، ليمارس عليهم تأثيره، مستغلاً قدراته الشخصية، ومهارته فى الإقناع، بحيث ينتهى الشخص إلى فكرة أن الحسن الصباح هو المخلص، وأن قلعة «آلموت» أرض الخلاص.
وقد جعل الحسن الصباح من قلعة آلموت نموذجاً استثنائياً، وسط نماذج لدول وجماعات تفشى فيها الظلم، وعم الفساد، وبقدر ما كان شيخ الجبل ميالاً إلى جعل الحياة داخل القلعة شديدة الصرامة والجدية، بقدر ما كان يستند إلى العدل فى حكم من يعيشون فيها، حتى ولو كانوا أبناءه، ويشير بعض المؤرخين إلى أنه قتل اثنين من أبنائه، وكانت جريمة أحدهما مجرد شرب الخمر، وبغض النظر عن جوانب الشطط الذى يصل إلى حد الخيال فيما يرويه المؤرخون حول عدل أو ظلم الحسن الصباح، إلا أن الباحث المدقق لا يملك وهو يحلل شخصية الرجل إلا أن يقرر أننا بصدد شخصية من طراز خاص، تتفاعل بداخلها الكثير من الثنائيات، من بينها على سبيل المثال: ثنائية الطموح والزهد، فبقدر ما تمتع «الصباح» بالطموح السياسى، فقد عاش حياته فى القلعة داخل حجرته التى لم يكن يخرج منها، إلا لماماً، وانكب على البحث والقراءة وكتابة رسائله الدعوية إلى مريديه، أضف إلى ذلك ثنائية رفض الظلم ومحبة العدل، ثم معالجة الظلم بظلم أكبر، ويبدو أن ذلك هو ديدن الثوار فى كل زمان ومكان، فهم يتحركون فى تمردهم على الواقع بدافع مقاومة الظلم، وبمجرد أن تواتيهم الفرصة تجدهم يسفكون الدماء، وهم الذين تباكوا بالأمس على الدم المسفوح، لكن يبقى أن «الصباح» استطاع أن يقدم نفسه فى صورة «المخلص» بالنسبة للبسطاء من الناس.
يقول «محمد كامل حسين» -فى كتابه «طائفة الإسماعيلية»- «لما عاد الحسن الصباح من مصر جمع حوله مجموعة من الفلاحين الإيرانيين، واستجاب له كل من شعر بظلم السلاجقة الأتراك وسوء حكمهم، ولا سيما السلطان ملكشاه السلجوقى الذى كان ظالماً غشوماً إلى أبعد حد، فقد اضطهد الناس جميعاً، ولا سيما الشيعة الإسماعيلية، وقتل منهم عدداً كبيراً، مما جعل الناس فى عهده تراودهم أحلام الشيعة الذهبية القديمة، من تمنى وجود إمام عادل يملأ الدنيا عدلاً بعد أن ملئت جوراً، فجاءهم الحسن الصباح يبشرهم بقرب تحقيق هذا الحلم»، ومن هؤلاء الفلاحين شكل «الحسن الصباح» فرق الاغتيالات الأولى التى استخدمها فى تصفية خصومه ومناوئيه، حتى انتهى به الأمر إلى الاستيلاء على قلعة «آلموت»، وعادى الحسن الصباح الجميع: الإسماعيلية المستعلية الذين أيدوا إمامة المستعلى، وبخسوا حق نزار بن المستنصر فى ولاية عهد أبيه، والسلاجقة الأتراك الذين كانوا يطاردون الإسماعيليين، والصليبيين الغربيين الذين جاءوا طامعين فى أرض المسلمين، والخلافة العباسية، والدولة الأيوبية، كان الحسن الصباح تركيبة تستعذب معاداة الجميع، لأنها ترى فى نفسها موطن الحق والحقيقة، وتعتبر غيرها على ضلال وباطل.
من داخل قلعة «آلموت» أدار الحسن الصباح عملياته، منتهجاً أسلوباً غير تقليدى فى القتال، لا يعتمد على فكرة «الجيش النظامى»، بل على فرق تنفذ عمليات محددة بأعلى درجات الدقة، وبالتالى يمكن القول بأنه خاض شكلاً من أشكال «حرب العصابات»، ونجح بها فى تدويخ أعدائه، وبث فى خصومه حالة من الرعب العنيف، بعد أن سيطر عليهم إحساس بأنهم معرضون للاغتيال بخناجر «الحشاشين» فى أى لحظة، وأنها قادرة على الوصول إليهم فى أى مكان، ودرس «حرب العصابات» كان من أهم وأخطر الدروس التى تعلمتها «جماعات السيف» من تنظيم «الحشاشين»، واعتبروها سبيلهم الوحيد لمواجهة الجيوش النظامية داخل المجتمعات المختلفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق