المرتزقة وأصحاب المبدأ فى حلبة الاغتيال السياسى
تصف قصة مقتل القائد الصليبى «الماركيز كونراد» منهجية التعامل بين كل من شيخ الحشاشين بالشام «سنان» وصلاح الدين، فلم يكن صلاح الدين يتورع عن الاستعانة بالحشاشين، رغم عدائه وكيده لهم، ومحاربته لجماعتهم، حين كانت تقتضى المصلحة ذلك، وحين تتوافر الذريعة الأخلاقية التى تبرر التوجه نحوهم، ولم يكن شيخ الحشاشين يتلكأ عنه، ولكن طبقاً لحسابات المصالح أيضاً، وعندما طلب منه صلاح الدين قتل ملك «إنكلترا» وقتل «الماركيز»، قبل أن يقتل الثانى مقابل عشرة آلاف دينار، وضرب صفحاً عن قتل الأول، لأنه وجد فى قتل ريتشارد قلب الأسد تقوية ودعماً لصلاح الدين، وكسراً لشوكة الصليبيين، وكان يستوعب أن صلاح الدين الذى يطلب التعاون معه اليوم، سوف ينقلب عليه غداً إذا خلا وجهه من الفرنج، ليبدأ فى حربه. والمتأمل لطريقة اغتيال «الماركيز» على يد الحشاشين، يلاحظ إلى أى حد استفادت جماعة الشام من جماعة «آلموت» فى تخطيط وتنفيذ عمليات الاغتيال، فاحتالوا على قتله بالخدعة والتنكر فى صورة راهبين، وأطالا المكوث إلى جواره حتى اطمأن إليهما، ووثق بهما، وقتلاه بخطة محكمة.
نخلص مما سبق إلى أن «سنان» تعاون مع «صلاح الدين» فى إطار الممكن، ولم يستجب له فى الأمور التى تساهم فى التمكين له، لأنه كان يعلم أن صلاح الدين يمكن أن ينقلب عليه فى لحظة، ويبدو أن ذلك كان توجه «سنان» هو الآخر نحو صلاح الدين، إذا كان على استعداد للانقلاب عليه فى أى وقت، لأنه فى كل الأحوال لم ينس الدور الذى لعبه فى إنهاء تجربة المذهب الإسماعيلى بمصر، وإسقاط الدولة الفاطمية. الأمر الملفت فى القصة التى حكاها ابن الأثير حول مقتل «الماركيز» يرتبط بالعشرة آلاف دينار التى قبضها الشيخ «سنان» مقابل إرسال فرق اغتيالاته لتصفيته، ويبدو المال حاضراً بصورة كبيرة فى قصص الاغتيالات التى قام بها الحشاشون فى الشام تحت قيادة الشيخ «سنان».
وإذا كان المال فى قصة «الماركيز» قد دفعه صلاح الدين إلى «سنان»، فقد حكى ابن الأثير مواقف أخرى قبض فيها الحشاشون ثمن عمليات استهدفوا من ورائها اغتيال «صلاح الدين» نفسه، وقد تعددت محاولاتهم فى هذا السياق، وكان من أهمها محاولة قتله أثناء حصاره لمدينة حلب. يقول «ابن الأثير»: «لما ملك صلاح الدين حماة سار إلى حلب فحصرها، فقاتله أهلها، وركب الملك الصالح، وهو صبى عمره اثنتا عشر سنة، وجمع أهل حلب وقال لهم: قد عرفتم إحسان أبى إليكم ومحبته لكم وسيرته فيكم، وأنا يتيمكم، وقال من هذا كثير وبكى فأبكى الناس، فبذلوا له الأموال والأنفس، واتفقوا على القتال دونه، والمنع عن بلده، وجدوا فى القتال، وفيهم شجاعة، وقد ألفوا الحرب واعتادوها، حيث كان الفرنج بالقرب منهم، فكانوا يخرجون ويقاتلون صلاح الدين عند جبل حوشن، فلا يقدر على القرب من البلد، وأرسل سعد الدين كمشتكين إلى سنان مقدم الإسماعيلية، وبذل له أموالاً كثيرة ليقتلوا صلاح الدين، فأرسلوا جماعة منهم إلى عسكره، فلما وصلوا رآهم أمير اسمه خمارتكين، صاحب قلعة أبى قبيس، فعرفهم لأنه جارهم فى البلاد، وكثير الاجتماع بهم والقتال لهم، فلما رآهم قال لهم: ما الذى أقدمكم وفى أى شىء جئتم؟ فجرحوه جراحات مثخنة، وحمل أحدهم على صلاح الدين ليقتله، فقتل دونه، وقاتل الباقون من الإسماعيلية، فقتلوا جماعة ثم قُتلوا».
وأغلب الحكايات التى رواها «ابن الأثير» عن عمليات الاغتيال التى قام بها الحشاشون تجد المال حاضراً فيها بقوة، ويمثل الدافع الأول للقيام بالعملية، ويبدو أن الكثير من المؤرخين كان لديهم قناعة، أو أرادوا أن يرسخوا قناعة لدى قرائهم بأن الحشاشين لم يكونوا مدفوعين فيما قاموا به من عمليات اغتيال بمبدأ، قدر ما كانوا مدفوعين بالرغبة فى الحصول على المال، ويمكن أن يفهم هذا الأمر فى سياق الهوى المذهبى، ورغبة مؤرخى أهل السنة فى بناء صورة سلبية للحشاشين كجماعة تسعى وراء المال والسلب والنهب وليس المبدأ. ومسألة حصول المسئول عن إرسال فرق اغتيال على مال مقابل تنفيذ عملياته، أمر يتناقض ولا شك مع الإيمان بالمبادئ، ويُظهر الجماعة وكأنها مجموعة من المرتزقة، التى تتخذ من القتل والاغتيال وسيلة للتكسب والتربح، لكن ذلك لا يمنع أن الحصول على المال من جانب هذه الفرق قد يكون مبرره تمويل العمليات نفسها، وقد رأيت أن بعض العمليات استغرق تنفيذها عدة أشهر حتى تستطيع فرقة الاغتيالات النجاح فى تحقيق هدفها، كما حدث فى واقعة اغتيال «الماركيز»، أضف إلى ذلك أن ثمة عمليات اغتيال حاولها أو قام بها الحشاشون ولم يظهر فيها المال، بما فى ذلك محاولات اغتيال توجهت إلى الناصر صلاح الدين من جديد، فى المجمل العام نستطيع القول إن الحدود الفاصلة بين «الارتزاق» بالقتل، والقتل من أجل المبدأ، تكاد تذوب إلى حد كبير عندما ننظر إلى عمليات الاغتيال السياسى التى تقوم بها جماعات السيف، فكلاهما عامل يدفع فى اتجاه تنفيذ العمليات، وما أكثر ما يحاول جامعو الأموال فى الحياة التدثر بغطاء أخلاقى، يساعدهم على غسل أوحال تحصيل المال من القتل فى نهر الأخلاق!
تصف قصة مقتل القائد الصليبى «الماركيز كونراد» منهجية التعامل بين كل من شيخ الحشاشين بالشام «سنان» وصلاح الدين، فلم يكن صلاح الدين يتورع عن الاستعانة بالحشاشين، رغم عدائه وكيده لهم، ومحاربته لجماعتهم، حين كانت تقتضى المصلحة ذلك، وحين تتوافر الذريعة الأخلاقية التى تبرر التوجه نحوهم، ولم يكن شيخ الحشاشين يتلكأ عنه، ولكن طبقاً لحسابات المصالح أيضاً، وعندما طلب منه صلاح الدين قتل ملك «إنكلترا» وقتل «الماركيز»، قبل أن يقتل الثانى مقابل عشرة آلاف دينار، وضرب صفحاً عن قتل الأول، لأنه وجد فى قتل ريتشارد قلب الأسد تقوية ودعماً لصلاح الدين، وكسراً لشوكة الصليبيين، وكان يستوعب أن صلاح الدين الذى يطلب التعاون معه اليوم، سوف ينقلب عليه غداً إذا خلا وجهه من الفرنج، ليبدأ فى حربه. والمتأمل لطريقة اغتيال «الماركيز» على يد الحشاشين، يلاحظ إلى أى حد استفادت جماعة الشام من جماعة «آلموت» فى تخطيط وتنفيذ عمليات الاغتيال، فاحتالوا على قتله بالخدعة والتنكر فى صورة راهبين، وأطالا المكوث إلى جواره حتى اطمأن إليهما، ووثق بهما، وقتلاه بخطة محكمة.
نخلص مما سبق إلى أن «سنان» تعاون مع «صلاح الدين» فى إطار الممكن، ولم يستجب له فى الأمور التى تساهم فى التمكين له، لأنه كان يعلم أن صلاح الدين يمكن أن ينقلب عليه فى لحظة، ويبدو أن ذلك كان توجه «سنان» هو الآخر نحو صلاح الدين، إذا كان على استعداد للانقلاب عليه فى أى وقت، لأنه فى كل الأحوال لم ينس الدور الذى لعبه فى إنهاء تجربة المذهب الإسماعيلى بمصر، وإسقاط الدولة الفاطمية. الأمر الملفت فى القصة التى حكاها ابن الأثير حول مقتل «الماركيز» يرتبط بالعشرة آلاف دينار التى قبضها الشيخ «سنان» مقابل إرسال فرق اغتيالاته لتصفيته، ويبدو المال حاضراً بصورة كبيرة فى قصص الاغتيالات التى قام بها الحشاشون فى الشام تحت قيادة الشيخ «سنان».
وإذا كان المال فى قصة «الماركيز» قد دفعه صلاح الدين إلى «سنان»، فقد حكى ابن الأثير مواقف أخرى قبض فيها الحشاشون ثمن عمليات استهدفوا من ورائها اغتيال «صلاح الدين» نفسه، وقد تعددت محاولاتهم فى هذا السياق، وكان من أهمها محاولة قتله أثناء حصاره لمدينة حلب. يقول «ابن الأثير»: «لما ملك صلاح الدين حماة سار إلى حلب فحصرها، فقاتله أهلها، وركب الملك الصالح، وهو صبى عمره اثنتا عشر سنة، وجمع أهل حلب وقال لهم: قد عرفتم إحسان أبى إليكم ومحبته لكم وسيرته فيكم، وأنا يتيمكم، وقال من هذا كثير وبكى فأبكى الناس، فبذلوا له الأموال والأنفس، واتفقوا على القتال دونه، والمنع عن بلده، وجدوا فى القتال، وفيهم شجاعة، وقد ألفوا الحرب واعتادوها، حيث كان الفرنج بالقرب منهم، فكانوا يخرجون ويقاتلون صلاح الدين عند جبل حوشن، فلا يقدر على القرب من البلد، وأرسل سعد الدين كمشتكين إلى سنان مقدم الإسماعيلية، وبذل له أموالاً كثيرة ليقتلوا صلاح الدين، فأرسلوا جماعة منهم إلى عسكره، فلما وصلوا رآهم أمير اسمه خمارتكين، صاحب قلعة أبى قبيس، فعرفهم لأنه جارهم فى البلاد، وكثير الاجتماع بهم والقتال لهم، فلما رآهم قال لهم: ما الذى أقدمكم وفى أى شىء جئتم؟ فجرحوه جراحات مثخنة، وحمل أحدهم على صلاح الدين ليقتله، فقتل دونه، وقاتل الباقون من الإسماعيلية، فقتلوا جماعة ثم قُتلوا».
وأغلب الحكايات التى رواها «ابن الأثير» عن عمليات الاغتيال التى قام بها الحشاشون تجد المال حاضراً فيها بقوة، ويمثل الدافع الأول للقيام بالعملية، ويبدو أن الكثير من المؤرخين كان لديهم قناعة، أو أرادوا أن يرسخوا قناعة لدى قرائهم بأن الحشاشين لم يكونوا مدفوعين فيما قاموا به من عمليات اغتيال بمبدأ، قدر ما كانوا مدفوعين بالرغبة فى الحصول على المال، ويمكن أن يفهم هذا الأمر فى سياق الهوى المذهبى، ورغبة مؤرخى أهل السنة فى بناء صورة سلبية للحشاشين كجماعة تسعى وراء المال والسلب والنهب وليس المبدأ. ومسألة حصول المسئول عن إرسال فرق اغتيال على مال مقابل تنفيذ عملياته، أمر يتناقض ولا شك مع الإيمان بالمبادئ، ويُظهر الجماعة وكأنها مجموعة من المرتزقة، التى تتخذ من القتل والاغتيال وسيلة للتكسب والتربح، لكن ذلك لا يمنع أن الحصول على المال من جانب هذه الفرق قد يكون مبرره تمويل العمليات نفسها، وقد رأيت أن بعض العمليات استغرق تنفيذها عدة أشهر حتى تستطيع فرقة الاغتيالات النجاح فى تحقيق هدفها، كما حدث فى واقعة اغتيال «الماركيز»، أضف إلى ذلك أن ثمة عمليات اغتيال حاولها أو قام بها الحشاشون ولم يظهر فيها المال، بما فى ذلك محاولات اغتيال توجهت إلى الناصر صلاح الدين من جديد، فى المجمل العام نستطيع القول إن الحدود الفاصلة بين «الارتزاق» بالقتل، والقتل من أجل المبدأ، تكاد تذوب إلى حد كبير عندما ننظر إلى عمليات الاغتيال السياسى التى تقوم بها جماعات السيف، فكلاهما عامل يدفع فى اتجاه تنفيذ العمليات، وما أكثر ما يحاول جامعو الأموال فى الحياة التدثر بغطاء أخلاقى، يساعدهم على غسل أوحال تحصيل المال من القتل فى نهر الأخلاق!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق