الجمعة، 26 يونيو 2015

عناقيد الغضب .. (9) .. بقلم الدكتور/ محمود خليل

الدعوة والداعية .. من جبال ( الديلم ) إلى ( القاهرة )
يتعجب القارئ والمحلل لأساليب الدعوة التى اعتمد عليها أبناء المذهب الإسماعيلى (مذهب الحشاشين)، عندما يلاحظ وجود محاور عديدة للتقاطع بين هذه الأساليب ومسلك العديد من جماعات الغضب الحديثة والمعاصرة، بدءاً من جماعة الإخوان وانتهاء بتنظيم «داعش»، ويتصل أول أوجه التقاطع بمصطلح «الدعوة» وهو مصطلح «إسماعيلى» بامتياز، ويتحدد مدلوله فى الجهد الذى يبذله الدعاة الإسماعيليون فى إعداد وتربية المريدين للانضمام إلى هذا التيار أو المذهب، ويحمل مصطلح الدعوة فى أحشائه رؤية تنظر إلى «المدعو» كشخص خارج عن الإطار الصحيح للإسلام، وهى ابتداء تعنى إخراج المدعو من دائرة الفهم الصحيح للإسلام فى أقل تقدير، ولعلك تعلم أن مصطلح «الدعوة» من المصطلحات الأصيلة التى تستخدم بإفراط داخل القاموس الإخوانى، ولا أستطيع أن أحدد على وجه الدقة هل كان المرحوم «حسن البنا» متأثراً بحركة «الحسن الصباح» وهو يستحضر هذا المصطلح أم لا، لكن الثابت أن مصطلح «الدعوة» من أبرز المصطلحات التى تقفز بسهولة أمام المحلل وهو يبحث فى رحلة تأسيس كل من جماعة «الحشاشين» وجماعة «الإخوان»، يمكننا ونحن بصدد المقارنة أن نسجل أن «البنا» تمتع بدرجة أعلى من الجرأة حين نعت اسم جماعته «الإخوان» بوصف «المسلمين»، وهو وصف قد يستنتج منه البعض أن الجماعة تشكك فى إسلام من لا يخضع لـ«الدعوة» وأفكارها وتصوراتها وينخرط فى التنظيم الذى تبلور حولها.
كان للدعوة الإسماعيلية مجالس تسمى «مجالس الدعوة»، وتشير العديد من المراجع التاريخية إلى أنها كانت تشكل أداة أساسية من أدوات تربية المريدين أو العناصر الجديدة المنضمة إلى قلعة «آلموت» وإعدادهم ذهنياً وفكرياً، وتأهيلهم للمهام التى ستوكل إليهم. وتتنوع هذه المجالس وتتوزع بشكل يتناسب مع خصائص المريدين، الأمر الذى يعنى أنها كانت عبارة عن «جلسات» دعوية يتم فيها إعداد المريد -طبقاً لخصائصه- فى ضوء منهج تربوى معين، يقول المقريزى فى خططه: «كان الداعى (الإسماعيلى) يفرد للأولياء مجلساً، وللخاصة وشيوخ البلد، ومن يختص بالقصور من الخدم وغيرهم مجلساً، ولعوام الناس وللطارئين على البلد مجلساً، وللنساء فى الجامع الأزهر مجلساً، وللحرم وخواص نساء القصور مجلساً، وكان يعمل المجالس فى داره»، معنى ذلك أن مجالس الدعوة «الإسماعيلية»، كانت تستهدف فئات مختلفة من البشر، مما يدلل على أنها كانت دعوة عامة، تخاطب مستويات اجتماعية واقتصادية مختلفة، وتتوجه إلى الرجال كما تتوجه إلى النساء، وتسعى إلى تحقيق هدف أساسى يتمثل فى تجنيد أكبر عدد من المريدين لخدمتها.
ويصح القول بأن الحسن الصباح اكتسب منهجية الدعوة الإسماعيلية خلال فترة وجوده فى مصر التى يحددها بعض المؤرخين بعام ونصف، ويحددها آخرون بثلاث سنوات، وعندما عاد إلى فارس بدأ يتحرك بين سكان جبال الديلم، يقول «برنارد لويس» فى كتابه «الحشاشون»: «بين هؤلاء الأقوام الشماليين -ومعظمهم من الشيعة ومتأثرون فعلاً بالدعوة الإسماعيلية- ركز حسن الصباح جهده الأكبر، وكان لدعوته النضالية جاذبية كبيرة، بين سكان جبال الديلم ومازندران المتمردين والمحبين للقتال، وكان الصباح يتفادى المدن ويشق طريقه عبر الصحارى من خوزستان إلى شرق مازندران، وأخيراً استقر فى دمغان حيث بقى ثلاث سنوات، ومن هذه القاعدة أخذ يرسل الدعاة للعمل بين سكان الجبال، وكان يقوم بنفسه بالسفر بلا انقطاع، لتوجيه دعاته ومساعدتهم على نشر الدعوة».
فى المقابل من ذلك لم تختلف الرحلة الدعوية لحسن البنا كثيراً عن رحلة «الصباح» -كما يحكى فى كتابه «مذكرات الدعوة والداعية»- إذ دأب على التنقل من مكان إلى مكان بهدف نشر دعوته، من الإسماعيلية، إلى دمنهور، إلى القاهرة، إلى الصعيد، وكان يحرك أتباعه فى كل الاتجاهات فى مصر، وفى الوقت نفسه تعد «جلسات الأسر» الحاضنة الأساسية التى يتم من خلالها تربية الكوادر الجديدة المنضمة إلى الجماعة، ومن مجموع الأسر التى تتكون داخل منطقة معينة تتشكل الشعب الإخوانية، ويخرج «النقباء» الذين ينهضون بعبء دعوة عناصر جديدة للانضمام إلى الجماعة، يحكى المرحوم عمر التلمسانى فى كتابه «ذكريات لا مذكرات» كيف بلغه اثنان من الإخوان ليدعوانه إلى الدخول فى الجماعة، وقالا له بعد حوار معه: «سوف نحدد لك موعداً لتقابله -يقصدان حسن البنا- وتتعرف إلى ما يدعو إليه ويريد تحقيقه»، ويستطرد «التلمسانى» قائلاً: «وشبت العاطفة الدينية الكامنة فى دخيلة نفسى فملت إلى الرضا ووافقت على مقابلة الرجل وانصرفا بغير ما استقبلا به، وعلمت منهما -قبل أن ينصرفا- أنهما يؤديان مهمة فى كل يوم جمعة بعد صلاة الفجر، إذ يجوبان القرى والعزب التابعة لمركز شبين القناطر يبحثان عن رجل يصلى ويصوم ويؤدى فرائضه فيتعرفان إليه ويعرضان الدعوة، فإن قبل اعتبراه نواة لشعبة فى موقعه»، الملفت فى كلام المرحوم «التلمسانى» تلك الإشارة التى وردت فى عبارة «وشبت العاطفة الدينية الكامنة فى دخيلة نفسى» وهى تشير إلى فكرة إيقاظ الإسلام النائم أو الكامن داخل نفس من آمن به، لكنه لا يفهمه طبقاً لتصورات الجماعة، وتعد هذه الفكرة قاسماً مشتركاً أعظم بين جماعات الغضب -على اختلافها- إذ تعتبر نفسها والإسلام وجهين لعملة واحدة!

عناقيد الغضب .. (8) .. بقلم الدكتور/ محمود خليل

ولع بالزعامة .. أم قدرة على السيطرة ؟ 
«الحسن الصباح» شخصية «كاريزمية»، وبقدر ما كانت تتمتع بشهوة الحكم، والرغبة الجامحة فى الوصول إلى السلطة، إلا أنها كانت تمتلك القدرات التى تمكنها من تحقيق الهدف. حلل المفكر الكبير «عباس محمود العقاد» شخصية «الحسن الصباح» من زاوية نفسية، كما تعود، وخلص فى تحليله إلى أن «الصباح» شخصية مولعة بجنون السيطرة والغلبة، وأنه كان مسوقاً من نفسه التى كانت تغلبه باستمرار وتدفعه إلى السيطرة على الآخرين، وقد غلب جنون السيطرة على ما تمتع به الرجل من دهاء. ويفسر «العقاد» صراع «الصباح» مع «الأفضل الجمالى»، بالرغبة الجامحة لدى الأول فى المنافسة، وأنه انحاز إلى «نزار»، لمجرد أن «الجمالى» نادى بـ«المستعلى» خليفة لأبيه «المستنصر»، أى على سبيل العناد فقط. وخلافاً لما قاله «العقاد» عندما وصف شخصية «الحسن الصباح» بجنون السيطرة والولع بالسلطة والتحدى لمجرد العناد، قدم «ابن الأثير» فى كتابه «الكامل فى التاريخ» وصفاً مخالفاً لشخصية «حسن الصباح»، يبدو أن «العقاد» لم يتأمله بما يكفى. يقول «ابن الأثير»: «كان الحسن بن الصباح رجلاً شهماً، كافياً، عالماً بالهندسة، والحساب، والنجوم، والسحر».
نجاح أى شخصية فى الوصول إلى منصة الزعامة، وتجييش الأتباع، ودفعهم إلى الموت فى سبيل تحقيق ما تؤمن به من أفكار، بغض النظر عن درجة الوجاهة أو السفه فيها، يستوجب توافر العديد من القدرات والمقومات التى تؤهلها للتأثير فى الأتباع من ناحية وإدارتهم من ناحية أخرى. كلنا متفقون على رفض فكرة «الاغتيالات» كوسيلة للصراع السياسى، لكن الرفض أمر، والتقييم الموضوعى للشخصيات التى تمكنت من تكريس هذه الفكرة لدى مجموعة من الأتباع وشكلت منهم فرقاً لتنفيذ أحكام الإعدام فى الخصوم السياسيين أمر آخر. فمن الضرورة بمكان أن تكون الشخصية التى تقود هكذا عمل، على وعى وفهم دقيق للسياق، واكتشاف نقاط الضعف فيه، وبناء خطاب للمظلومية قادر على اجتذاب الأتباع، خصوصاً من العوام والضعفاء الذين يدفعون الضريبة الأكبر لوجود الظلم فى كل زمان ومكان، ولا بد أن يكون لديها رؤية متكاملة حول منهجية تربية الأتباع وإعدادهم وتهيئتهم للقيام بالمهام المطلوبة منهم، وأن تتمكن فى لحظة معينة من تحويل جماعتها إلى ما يشبه الدويلة لخلق نقطة انطلاق تستطيع أن تناوئ منها السلطة التى تحكم الدولة الأكبر.
والقاسم المشترك الأعظم بين أغلب الشخصيات التى قادت الجماعات العنقودية يرتبط بالأساس بسمتين، السمة الأولى هى القدرات التربوية. والثانية الخبرات العسكرية. لو حللنا العديد من الشخصيات التى لعبت دوراً مهماً فى بناء التنظيمات العنقودية، من لدن «الحسن الصباح» حتى الآن، فستجد أن السمة «التربوية» حاضرة فى تركيبتهم وتكوينهم بدرجة كبيرة، فقد كان أغلبهم معلمين تربويين. «الصباح» كان معلماً للمذهب الإسماعيلى، وحسن البنا كان معلماً بوزارة المعارف، وكذلك كان سيد قطب، والدكتور صالح سرية -قائد تنظيم الفنية العسكرية- كان متخصصاً فى «المناهج وأصول التربية»، وله رسالة باسمه بجامعة عين شمس تبحث فى هذا التخصص، وحتى أبوبكر البغدادى خليفة «داعش» كان لديه غرام بالدراسات التربوية، وقد عمل معلماً وتربوياً أيضاً. ويحتار المحلل فى سياق توافر هذه السمة بسخاء فى أغلب قادة «فرق الاغتيال»، وهل هى تعود إلى أهمية هذا التخصص وحيويته بالنسبة لمن يستهدفون بناء تنظيمات عنقودية، أم مرده خلل من نوع ما داخل هذا التخصص، قديماً وحديثاً.
السمة الثانية التى نجدها متوافرة أيضاً فى الشخصيات من هذا النوع ترتبط بالخبرات العسكرية، ولا يتعلق هذا النوع من الخبرة بمجرد حمل السلاح، بل بالقدرة على التخطيط والتجييش وتوزيع الأدوار، وجمع المعلومات، ومهارة التحرك من مكان إلى مكان، وغير ذلك من أمور. وقد امتلك «الصباح» العديد من هذه المميزات ويشهد على ذلك «فرق الاغتيال» التى أسسها، كما امتلكها أيضاً حسن البنا ويشهد عليه «النظام الخاص» للإخوان، وكانت متوافرة أيضاً لدى صالح سرية ومكنته من تجنيد عدد من طلاب الكلية الفنية العسكرية، لتنفيذ مخططه فى اغتيال «السادات» والسيطرة على الحكم، والذى تم إحباطه. ومن المعلوم أن «البغدادى» هو المسئول الأبرز عن كل النشاطات العسكرية لتنظيم داعش فى العراق، ووجّه وأدار مجموعة كبيرة من الهجمات والعمليات منذ عام 2011.
انطلاقاً من ذلك، يمكننا القول إن رؤية وتقييم «العقاد» لشخصية الحسن الصباح انطوى على قدر من الشطط، إذ أثبتت تجربة قلعة «آلموت» أنه كان قائداً قديراً، يتمتع بفكر تربوى متميز، وقدرة خاصة على تدجين الأتباع، وإدارتهم، والسيطرة عليهم، ثم توجيههم -بعد تربيتهم على عينه- للقيام بعمليات الاغتيال وتصفية خصومه السياسيين. ومفهوم التربية من المفاهيم الأساسية التى ترتكن إليها جماعات السيف، وإذا لم يكن لدى القيادة رؤية واضحة المعالم والخطوات والمراحل -فى هذا السياق- فليس بمقدورها أن تحقق أهدافها. ويمكننا القول إن تجربة وطرائق تربية المريدين داخل جماعة «الحشاشين» ألهمت -من بعد- العديد من جماعات الغضب الأخرى التى وظفت السيف كأداة للحوار السياسى، لو جاز هذا التعبير!.

عناقيد الغضب .. (7) .. بقلم الدكتور/ محمود خليل

محمد بن أبى بكر أول قائد لفرقة الاغتيالات
محمد بن أبى بكر من أكثر الشخصيات التى ثار حولها الجدال، واختلف فى تقييمها المؤرخون، ولعل أخطر حدث ارتبط بسيرة «ابن أبى بكر» هو حادث المشاركة فى اغتيال الخليفة عثمان بن عفان، حين قاد مجموعة من المصريين الرافضين لأسلوب «عثمان» فى الحكم، وحاصر بهم قصر الخليفة، وتمكنوا من اغتياله فى النهاية، بعد وقائع متنوعة، لا مقام هنا لتفصيلها. وثمة تقاطع بين الطريقة التى تم بها اغتيال «عثمان» وطرق الاغتيال التى سلكها «الحشاشون» بعد ذلك. فالاغتيال تم من خلال مجموعة وبأسلوب الطعن والذبح. يقول ابن الأثير: «ودخل عليه محمد بن أبى بكر، فقال له عثمان: ويلك أعلى الله تغضب؟. هل لى إليك جرم إلا حقه أخذته منك؟. فأخذ محمد لحيته وقال: قد أخزاك الله يا نعثل (يقصد الشيخ الأحمق)، وكانوا يلقبون به عثمان. فقال: لست بنعثل ولكنى عثمان وأمير المؤمنين. فقال محمد: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان! فقال عثمان: يا ابن أخى فما كان أبوك ليقبض عليها. فقال محمد: لو رآك أبى تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك، والذى أريد بك أشد من قبضى عليها!، فقال عثمان: أستنصر الله عليك وأستعين به!، فتركه وخرج. وقيل: بل طعن جبينه بمشقص (قضيب خشب أو حديد) كان فى يده. ثم دخل قتيرة وسودان بن حمران والغافقى، فضربه الغافقى بحديدة، وجاء سودان ليضربه، فأكبت عليه امرأته واتقت السيف بيدها، فنفح أصابعها فأطن أصابع يدها وولت، وضرب عثمان فقتله».
الفرقة التى وردت أسماؤها فى الفقرة السابقة هى التى تولت اغتيال «عثمان»، وكان أبرز أعضائها شاب صغير السن فى مرحلة العشرينات، وهو محمد بن أبى بكر. تشير بعض الدراسات إلى أن محمد بن أبى بكر كان ابن ثلاثة شهور عندما توفى النبى، صلى الله عليه وسلم، ولم يكن قد أكمل ثلاث سنوات عندما توفى والده الخليفة الأول أبوبكر الصديق، رضى الله عنه، وعندما توفى الخليفة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، كان عمر محمد بن أبى بكر ثلاثة عشر عاماً. وقد سافر إلى مصر مع الجيش الذى قاده عبدالله بن سعد بن أبى السرح لقتال أهل النوبة، وكان لدى الشاب عدة اعتراضات على شخص عبدالله بن سعد، أبرزها أنه كان مرتداً تائباً، وقد منع أبوه «أبوبكر» المرتدين من المشاركة فى جيوشه، وكان ذلك سبباً فى خروجه على عثمان، رضى الله عنه، مع جماعة من أهل مصر، وذهبوا وحاصروا بيته. وتختلف الروايات بعد ذلك فى مشاركة محمد بن أبى بكر فى اغتيال الخليفة، لكن المؤكد أن الكتلة الأهم من الذين ثاروا على «عثمان» كانت من المصريين، وأغلب من حاصروا داره كانوا منهم، وكان على رأس هؤلاء محمد بن أبى بكر، الذى التقى مع المصريين فى كراهيتهم ورفضهم تولية عبدالله بن سعد والياً عليهم، وكان لكل طرف أسبابه، فكان محمد بن أبى بكر يرفضه لأنه كان مرتداً تائباً، كما حكيت لك، وكان المصريون يرفضونه بسبب كثرة مظالمه، ويشير ابن كثير إلى أن محمد بن أبى بكر كان من الجماعة التى اقتحمت دار عثمان وشاركت فى قتله: «وفى رواية أن الغافقى بن حرب تقدم إليه -أى إلى عثمان، رضى الله عنه- بعد محمد بن أبى بكر فضربه بحديدة فى فمه، ورفس المصحف الذى بين يديه برجله، فاستدار المصحف ثم استقر بين يدى عثمان، رضى الله عنه، وسالت عليه الدماء ثم تقدم سودان بن حمران بالسيف وضرب عثمان فقتله».
مسألة الاغتيال السياسى، ليست اختراعاً يمتلك وثيقة براءته «الحسن الصباح»، فقد كانت هناك سوابق عديدة اعتمدت على فكرة تصفية الخصوم السياسيين، حال الاختلاف معهم، وكانت هذه الحوادث تظهر وتختفى تبعاً لحالة السياق العام، وتوافر الشروط والملابسات القادرة على احتضانها وتقبلها. وجوهر هذا السياق دائماً هو المظالم. فأشهر حادثة اغتيال سياسى فى تاريخ المسلمين، والمتمثلة فى اغتيال الخليفة عثمان، ارتبطت بشعور بالمظلومية تكرس لدى المصريين، بسبب ممارسات واليهم عبدالله بن سعد بن أبى سرح، وعندما توافرت لهم القيادة الشابة الطموحة إلى ولاية مصر حينذاك، وهو محمد بن أبى بكر، وكشفت لهم مواطن الخداع فى أداء بطانة الخليفة، كان من الطبيعى أن يتحلقوا حولها، وأن ينتهى المشهد باغتيال عثمان، رضى الله عنه، على يد جماعة يقودها «محمد بن أبى بكر» ابن رفيق عمره فى الإسلام. ذهب عثمان، وهو واحد من أجل الصحابة، رضوان الله تعالى عليهم، ضحية للظرف التاريخى الذى حكم فيه، وتورط محمد بن أبى بكر فى اغتياله، جراء حداثة السن واشتعال الطموح، وشارك المصريون فى المشهد مدفوعين بالإحساس بالمظلومية.. وتلك هى المعادلة!.

عناقيد الغضب .. (6) .. بقلم الدكتور/ محمود خليل

مؤامرات الاغتيال السياسى وفرق الموت
كان من الطبيعى أن يعتمد «الحسن الصباح» على الشباب وهو يؤسس فرق «الفدائية» للقيام بعمليات الاغتيال السياسى، فناهيك عن أن الشباب أكثر تقبلاً للأفكار الجديدة المثيرة من ناحية، وأشد قبولاً لفكرة «المغامرة»، فإن من يتصدى للقيام بعمليات اغتيال ينبغى أن يخضع لتدريب وتأهيل شاق لا يقوى عليه إلا الشباب، والمسألة لا تقتصر فى مثل هذه الأحوال على مجرد الإعداد البدنى، بل تنصرف أيضاً إلى التأهيل النفسى. والإعداد البدنى مسألة مفهومة، أما التأهيل النفسى فقد كان يتوجه داخل جماعة «الحشاشين» إلى تعليم «المريد» -كما كان يطلق على العضو المتدرب داخل الجماعة- الكيفية التى يستطيع أن ينسى فيها جسده تماماً، من خلال طقوس محددة، تجعل من يُعد لكى يكون «فدائياً» قادراً فى لحظة معينة على نسيان أى ألم جسدى، وكأنه يخضع لنوع من التخدير، وربما كان ذلك الأمر هو البوابة التى دخلت منها تلك الأحاديث المفرطة عن تعاطى أعضاء جماعة «الحسن الصباح» للحشيش. والترويج لفكرة أن أعضاء «جماعات السيف» لا بد أنهم يتعاطون «المخدرات» كأساس لتفسير إقدامهم على الاغتيال مسألة لم يبرأ منها كتاب قدماء ومحدثون.
فى هذا المقام نجد أن بعض الكتاب المصريين الذين وقفوا منزعجين أمام قيام جماعة الإخوان بعمليات اغتيال قبل يوليو 1952، ومحاولات اغتيال لخصومهم السياسيين بعد يوليو، قد أهدروا العديد من السياقات وهم يربطون بين فرقة «الحشاشين» وجماعة الإخوان، بصورة جعلتهم يقدمون تفسيرات شديدة العجب وهم يحللون العلاقة بين «عناقيد الدم» فى تاريخ المسلمين فى الماضى والحاضر. الكاتب الكبير «محمد التابعى» واحد من هؤلاء، فى مقال له عقب حادث المنشية 1954 كتب التابعى يقول: «قرأت لأديب معروف مقالاً جيداً عن جماعة الحشاشين وهذا هو الاسم الذى عرفت به فى التاريخ، ولكنها كانت جماعة دينية أو هكذا كانت تزعم، وكانت تتوسل بالاغتيال والقتل إلى تحقيق مآربها، وكانت تستعين بالحشيش على تهيئة أعضائها المكلفين بالقتل وجعلهم آلات صماء لا إرادة لها، ومن هنا أطلق التاريخ على الجماعة اسم الحشاشين، ومن عجب أن الذين توالوا على رئاسة أو زعامة هذه الجماعة كان كل منهم اسمه حسن، حسن الصباح، ثم الحسن بن محمد، ومن بعدهما الحسن جلال الدين، وجماعة الإخوان تستعين بالاغتيال على تحقيق مآربها السياسية، وكانت الجماعة الأولى -جماعة الحشاشين- تخدر أعصاب آلاتها بالحشيش، أما الجماعة الأخرى -الإخوان- فتخدرهم بالدين وتبشرهم بدخول الجنة بغير حساب، وأخيراً حتى تتم المقارنة ويكتمل التشابه، لقد تولى منصب المرشد العام فى جماعة الإخوان حسنان: حسن البنا، وحسن الهضيبى»!
وبعيداً عن بعض الأخطاء التاريخية التى وردت فى كلام «التابعى»، إلا أننى أجده يهدر السياق وهو يحلل الظاهرتين على ما بينهما من تشابه، ويركز على مساحات الشبه التى يمكن أن يكون منشؤها الصدفة البحتة بالأساس، مثل مقارنة أسماء قادة الحشاشين بمرشدى الإخوان، فى حين يهمل الظروف التاريخية التى ارتبطت بإطلاق وصف «الحشاشين» على جماعة حسن الصباح، وسياق الصراع على الحكم بين جماعة الإخوان وثورة يوليو 1952، وما تؤكده كتب التاريخ من أن الإخوان كانوا شركاء لتنظيم الضباط الأحرار فى القيام بالثورة، وأن أغلب المواجهات التى تمت بين الطرفين لم تتجاوز مساحات الصراع على السلطة، مع التأكيد على تبنى الضباط لفكرة الدولة الوطنية، فى مواجهة الجماعة التى كانت -ولم تزل- تتبنى مفهوم الخلافة، وتذويب الذات الوطنية فى الكل الإسلامى، وفى حين استخدم نظام الحكم بعد 1952 أدوات الدولة فى مواجهة الإخوان، بحكم سيطرته عليها، لجأت الجماعة إلى أسلوب الاغتيال السياسى، مستفيدة فى ذلك من تجربة «الحسن الصباح» فى تكوين فرق اغتيالات قليلة العدد، لكنها جيدة الإعداد، فى مواجهة سلاطين الدولة السلجوقية الذين كانوا يصارعون بـ«أدوات دولة».
نخلص مما سبق إلى أن تجربة «الصباح» كانت تجربة ملهمة لكل «جماعات السيف» التى ظهرت من بعده، ورغم تعدد عمليات الاغتيال فى تواريخ عديدة سابقة على ظهور «الحسن الصباح»، مثل اغتيال الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، على يد أبولؤلؤة المجوسى «غلام المغيرة بن شعبة» -كما يصفه ابن الأثير فى كتابه «الكامل»- ولا يخلو وصف «غلام» من دلالة على أن «أبولؤلؤة» كان شاباً، عندما نفذ عملية اغتيال الخليفة الثانى، ثم كان اغتيال الخليفة الثالث عثمان بن عفان على يد مجموعة من الشباب من أمصار عدة، ثم اغتيال الخليفة الرابع على بن أبى طالب على يد عبدالرحمن بن ملجم، لكنها تقع جميعها فى سياق التآمر الذى اندفع إليه أفراد، ولم تمثل عملاً منظماً بدأ وتواصل من خلال فرق مدربة ومنظمة، تستثنى من ذلك واقعة اغتيال «عثمان» التى تمت على يد مجموعة من الثوار أو الخارجين -سمهم ما شئت- كان من أبرز أفرادها محمد بن أبى بكر الصديق.

عناقيد الغضب .. (5) .. بقلم الدكتور/ محمود خليل

الشباب .. وقود فرق الموت
وجود «المظلومية» لا يكفى وحده للترويج للفكرة المتبلورة حولها، وظهور القائد الماهر الذى يجيد توظيف الفكرة لا يضمن فى كل الحالات أن تتحول إلى تنظيم. ثمة شرط ثالث لا بد أن يتكامل مع وجود المظلومية، وظهور القائد، يتمثل فى السياق الحاكم، والظروف التاريخية التى تتعاصر مع الفكرة والقائد، فإذا كانت مواتية نجح القائد فى ترجمة فكرته إلى تنظيم، وإذا لم تكن شق عليه الأمر واستعصى. والناظر إلى الظرف التاريخى الذى نشأت فيه «المظلومية النزارية» وظهر فيه حسن الصباح سيجد أنه كان مناسباً ومواتياً لفكرة إنشاء التنظيمات والجماعات التى تبرر لنفسها حمل السلاح لأطر الواقع على أفكارها.
كانت الفترة التى تعاصرت مع مطلع القرن الخامس للهجرة مليئة بالصراعات والتحديات، وعرفت بعنفها وتقلباتها وغموضها، فقد شهدت هجوماً واسعاً ومتنوعاً من جانب الصليبيين على العالم الإسلامى، وخصوصاً فى بلاد الشام، وقيام إمارات الأيوبيين على أنقاض الخلافة الفاطمية، بالإضافة إلى الهجمات السلجوقية على «بغداد» عاصمة الخلافة العباسية. كان السلاح خلال تلك الفترة أداة الصراع وجوهره، ومبتدأه وخبره، وكانت الساحة الإسلامية محتشدة بالقوى والفرق التى يحاول كل منها السيطرة على المشهد من خلال إعمال أدوات القوة، وكانت المخاطر التى تبرر حمل السلاح فى ظل مناخ من الصراعات الضارية جمة ومتنوعة. الكل استخدم السلاح فى صراعاته على الحكم، أو بهدف حماية الأراضى الإسلامية من الحملات الصليبية.
شرط توافر السياق المواتى يعلو فى قيمته على تحقق المظلومية، لأن المظلومية شرك بين البشر، وموجودة فى كل زمان ومكان، وتزيد أهمية هذا الشرط على توافر القيادة القادرة على بلورة المظلومية فى فكرة يتحلق حولها أتباع يتشكل منهم تنظيم، لأن تاريخ البشر لا يخلو فى الأغلب من شخصيات قادرة على ذلك، دون أن تجد من يستجيب لها، إذا لم تتوافر فى الواقع شروط تأجيج الفكرة فى نفوس الأتباع، وإبراز القائد كشخصية كاريزمية قادرة على التعامل بمهارة مع صراعات الواقع، وترجمة أشواق أتباعه فى تغييره، وإعدادهم، لكى يقوموا بدورهم فى هذا المقام.
وقد هيأ السياق لجماعة «الحشاشين» بقيادة الحسن الصباح فرصة غسل عمليات الاغتيال السياسى، بعمليات «الجهاد الدينى». ففرق «الفدائية» التى تورطت فى عمليات اغتيال سياسى عديدة، كان من أبرزها اغتيال الخليفة الفاطمى «الآمر بن المستعلى» ووزير السيف «الأفضل بن بدر الجمالى»، كما حكيت لك، لعبت دوراً مدهشاً فى التصدى للغارات الصليبية على الشام. وليس ثمة تناقض بين مسألتى الاغتيال لأهداف سياسية، والجهاد تحت راية دينية، فى أداء فرق «الفدائية» التابعة لـ«الحشاشين». فجماعات السيف تسعى إلى صبغ قتالها السياسى بصبغة دينية، تظهرها كجماعات مبدأ ودفاع عن العقيدة، فى إطار جهودها للدعاية السياسية. ولعلك تعلم أن جماعة «الإخوان» شاركت بقوة فى حرب فلسطين عام 1948، ولعب «النظام الخاص» دوراً مهماً فى هذه الحرب، شهد به العديد من المؤرخين، لكن فرق الموت الإخوانى التى واجهت عصابات اليهود فى فلسطين، هى نفسها التى مارست الاغتيال السياسى فى مصر ضد «النقراشى» و«الخازندار» قبل ثورة يوليو، كما برر لغيرها أيضاً القيام بعمليات اغتيال سياسى فى ظل سياق كان يستوعب هذا الأمر.
وغالباً ما تتشكل «فرق الاغتيال» من الشباب. فتلك واحدة من القواعد التى دشنها «الحسن الصباح»، معتمداً فى ذلك على تجربته الذاتية، فـ«الصباح» كان ينتمى فى الأصل إلى أسرة اثنى عشرية، من مدينة «قم» معقل هذا المذهب، وتحول بعد ذلك إلى المذهب «الإسماعيلى»، وهو ابن سبعة عشر عاماً، ويبدو أن «الصباح» أدرك بناء على ذلك أن دعوته لا بد أن تتوجه بالأساس إلى الشباب فى المراحل العمرية المبكرة، وذلك لعدة اعتبارات، أولها أن الشباب طيعين بدرجة أكبر فى قبول الأفكار الجديدة، المخالفة للسائد فى الواقع، وثانيها أن الشباب أكثر انبهاراً وأشد ميلاً إلى فكرة «المغامرة»، وربما كان هذا العامل هو الأكثر أهمية بالنسبة للحسن الصباح الذى كان سعى إلى تكوين خلايا مسلحة تؤسس لفرق «الفدائية» القادرة على تنفيذ عمليات الاغتيال بالمهارة وبالقدرة المطلوبة، وتقديرى أن كل من سعوا إلى تأسيس تنظيمات شبيهة بتنظيم «الحشاشين» استفادوا من هذا الجانب، بدرجة كبيرة، فوضعوا أعينهم منذ البداية على الشباب، وتوجهوا إليه بدعوتهم، ظهر هذا الأمر جلياً فى تجربة تأسيس جماعة الإخوان على يد حسن البنا، وبصورة أكثر جلاء فى تركيبة «النظام الخاص» الذى أنشأته الجماعة فى عهده، وهو أيضاً ما فعله سيد قطب عام 1965، وما سار عليه تنظيم «داعش» بعد ذلك عندما أعلن عن نفسه عام 2014.

عناقيد الغضب .. (4) .. سلسلة بقلم الدكتور/ محمود خليل

اغتيال الأفضل الجمالى
الواقعة التى شهدتها مصر باستيلاء «المستعلى» على الحكم بمساعدة خاله «الأفضل الجمالى» وإقصاء أخيه «نزار» وقتله ليست جديدة، لا فى التاريخ العام، ولا فى التاريخ الخاص بالمسلمين. فما أكثر ما شهد التاريخ ويشهد الواقع أحداثاً مماثلة، يسرق فيها الأخ حق أخيه فى ولاية الحكم، ويستقوى بوزير سيفه على تحقيق هذا الهدف. المظلوميات من هذا النوع تجلل الكثير من صفحات تاريخ الخلافة. تاريخ التآمر وتحييد فكرة «الجدير بالحكم» لا يكاد يخلو منها فصل من فصول الخلافة الأموية، على سبيل المثال وليس الحصر .
من النماذج على ذلك معاوية الثانى (ابن يزيد بن معاوية) الذى مات مسموماً، وقد كان من المفهوم أن البيعة من بعده لأخيه خالد بن يزيد، لكن انقلاباً حدث داخل البيت الأموى، قاده مروان بن الحكم، انتقل الأمر بمقتضاه إلى الفرع الثانى من العائلة، من أبناء الحكم بن أبى العاص بن أمية. ويحكى «ابن الأثير» صاحب «الكامل فى التاريخ» رواية عجيبة تشرح كيفية وفاة «مروان»، يذكر فيها أن معاوية بن يزيد لما حضرته الوفاة لم يستخلف أحداً، وكان «حسان بن بحدل» -خال يزيد بن معاوية- يريد أن يجعل الأمر بعد وفاة معاوية الثانى فى أخيه خالد بن يزيد، وكان صغيراً، فبايع «حسان» مروان بن الحكم وهو يريد أن يجعل الأمر بعده لخالد، فلما بايعه هو وأهل الشام قيل لمروان: تزوج أم خالد، وهى بنت أبى هاشم بن عتبة، حتى يصغر شأنه فلا يطلب الخلافة، فتزوجها، فدخل «خالد» يوماً على «مروان» وعنده جماعة وهو يمشى بين صفين، فقال مروان: والله إنك لأحمق!. تعال يا ابن الرطبة الاست!، يقصر به -أى يهينه ويسخر منه- ليسقطه من أعين أهل الشام. فرجع خالد إلى أمه فأخبرها، فقالت له: لا يعلمن ذلك منك إلا أنا، أنا أكفيكه. فدخل عليها مروان فقال لها: هل قال لك خالد فىّ شيئاً؟ قالت: لا، إنه أشد لك تعظيماً من أن يقول فيك شيئاً. فصدقها ومكث أياماً، ثم إن مروان نام عندها يوماً، فغطته بوسادة حتى قتلته. وأراد عبدالملك بن مروان قتل أم خالد، فقيل له: يظهر عند الخلق أن امرأة قتلت أباك، فتركها. لم يكن ثمة جديد فى أن يستولى «المستعلى» على الحكم ويقتل أخاه «نزار». فالقوة هى القانون الأبرز الذى يحكم القصور، وهى الأداة الأبرز للسيطرة على السلطة، كان الجديد حقيقة هو فى تلقف «الحسن الصباح» للفكرة وبلورة خطاب «المظلومية» تأسيساً عليها، لتحقيق أهداف معينة، يثبت التاريخ أنه لم يعدم الوسائل فى الوصول إليها، أولاً بسبب السياق المحيط به حينذاك الذى ساعده فى إنضاج الفكرة وخلق أتباع ومريدين يتحلقون حولها، وثانياً بسبب القدرات الشخصية التى كان يتمتع بها وأهلته لكى يكون قائداً ملهماً لديه مهارة خاصة فى إدارة البشر، ظهرت بداية فى قراره استقدام «على الهادى بن نزار بن المستنصر» ليحكم إلى جواره، ويمنحه شرعية إقامة دولة «نزارية»، لتكتمل شرعية القوة مع الشرعية القانونية، تمهيداً للاستناد إلى شرعية واحدة، هى شرعية القوة التى استند إليها «الصباح» فى عقد الإمامة له، وهو الذى كان ينعى بالأمس على «الأفضل» تمكين «المستعلى» بـ«السيف».
ليس بمقدور المحلل المنصف أن يذهب إلى أن «الحسن الصباح» تحرك بمبدأ إيمانى بالمذهب الإسماعيلى، وهو ينحاز إلى «نزار» المقتول على يد الأفضل الجمالى، ويخاصم «المستعلية». فالمذهب الإسماعيلى كان قائماً فى كل الأحوال، لأنه المذهب الأصلى لكل من «النزارية» و«المستعلية». والواضح أن «الصباح» كان لديه طموح للزعامة، وكان فى الوقت نفسه يمتلك القدرات التى تؤهله لذلك، لكنه كان يبحث عن «الفكرة الخلابة» التى يمكن أن يتحلق حولها الأتباع، ووجد ضالته فى «المظلومية» التى وقعت على «نزار» فبادر إلى التقاطها، وجعل منها أساساً للتأصيل لفكرة العمل الفدائى (الانتحارى بالتعبير الحديث)، واسترخاص حياة الذات وحياة الآخرين فى سبيل العقيدة أو الفكرة التى زرعها فى نفوس أتباعه ومريديه، وجعلها أكبر وأعلى من أى نقد عقلى أو نقاش يحدد مستوى جدواها أو وجاهتها، متذرعاً بأن من يوقظ عقله ويجادل فيها هو ببساطة ظالم لا يفهم معنى «المظلومية» التى حاقت بمجموعات معينة، ولا يريد العدل فى الأرض، ويبغى الانتصار للباطل.
الجديد فى أداء «الحسن الصباح» ارتبط بالمجموعات الفدائية التى تنفذ عمليات الاغتيال فى الخصوم السياسيين، فرغم اختلاف كتب التاريخ فى تحديد المسئولين عن واقعة اغتيال «الأفضل الجمالى» الخصم اللدود لـ«الصباح»، إلا أن الرواية التى يحكى فيها «ابن الأثير» كيفية اغتياله تؤشر إلى أصابع الحشاشين. ويقول فيها: «ركب الأفضل إلى خزانة السلاح ليفرقه على الأجناد، على جارى العادة فى الأعياد، فسار معه عالم كثير من الرجالة والخيالة، فتأذى بالغبار، فأمر بالبعد عنه، وسار منفرداً، معه رجلان، فصادفه رجلان بسوق الصياقلة، فضرباه بالسكاكين فجرحاه، وجاء الثالث من ورائه، فضربه بسكين فى خاصرته، فسقط عن دابته». الواضح أن عملية الاغتيال تمت من خلال فرقة فدائية لقى كل أفرادها حتفهم بعد ذلك، عندما ظهر على مسرح الاغتيال أصحاب «الجمالى»، وهى ذات الطريقة التى اغتيل بها «الآمر بن المستعلى» كما حكيت لك على أيدى «الحشاشين».

عناقيد الغضب .. (3) .. سلسلة بقلم الدكتور/ محمود خليل

الكلمة العليا لـ .. السيف 
أوهنت الشدة المستنصرية -ضمن ما أوهنت- بيت الخلافة الفاطمى نفسه، حيث أصبحت الكلمة الأعلى فى الدولة لـ«بدر الجمالى»، وبدأ الخليفة المستنصر يعالج نهايته، ويستعد لترك الخلافة من بعده لأحد أولاده. كان لـ«المستنصر» ولدان، أكبرهما «نزار»، وأصغرهما أحمد المستعلى، وتبعاً لقواعد نقل الخلافة أو الإمامة فى المذهب الإسماعيلى، كان من الطبيعى أن يعهد المستنصر بالخلافة من بعده إلى ولده الأكبر «نزار»، لكن «الأفضل الجمالى» الذى ورث أباه «بدر» فى إمارة الجيوش كان له رأى آخر. يقول «ابن كثير» فى كتابه «البداية والنهاية»: «كان الخليفة المستنصر قد عهد بالأمر إلى ولده نزار فخلعه الأفضل بن بدر الجمالى بعد موت أبيه، وأمر الناس فبايعوا أحمد بن المستنصر أخاه، ولقبه بـ«المستعلى»، فهرب «نزار» إلى الإسكندرية فجمع الناس عليه فبايعوه، وأعانه على ذلك قاضى الإسكندرية جلال الدولة بن عمار، فقصده الأفضل فحاصره، وقاتلهم نزار وهزمهم الأفضل، وأُسر القاضى ونزار، فقُتل القاضى، وحُبس نزار بين حيطين حتى مات واستقر المستعلى فى الخلافة وعمره إحدى وعشرين سنة».
لم يكن «الأفضل» يرى أحقية لـ«أحمد» فى ولاية عهد أبيه «المستنصر»، لكنها الرغبة فى السيطرة العائلية على مقاليد الحكم فى مصر. فـ«أحمد المستعلى» هو ابن شقيقة «الأفضل بن بدر الجمالى» التى تزوجها الخليفة المستنصر، وبالتالى أراد «وزير السيف» أن يحرم «نزار» من ولاية عهد أبيه، رغم أحقيته بذلك، ليمكن لابن شقيقته «أحمد»، كجزء من السعى نحو السيطرة على الدولة ككل. هنالك بدأت فتنة انقسام الفاطميين إلى طائفتين: طائفة «النزارية»، وطائفة «المستعلية». وفى حين تربع «المستعلية» على كرسى الحكم، مستعينين فى ذلك بسيف «الأفضل»، بدأ «النزارية» يعالجون آلامهم وإحساسهم بالظلم، بعد مقتل ولى العهد الذى آمنوا بشرعيته (نزار) وإخوته وأولادهم.
بينما كانت تتفاعل فصول الأزمة بين «النزارية» و«المستعلية» أواخر فترة خلافة المستنصر بالله، ظهر على مسرح الأحداث شيخ الجبل. «الحسن الصباح» -كما تقول كتب التاريخ- هو الحسن بن على بن محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد بن الصباح الحميرى اليمنى، ولد فى مدينة «الرى» ببلاد فارس سنة 447هـ. وبعد أن أكمل دراسته شاءت الظروف أن يقوم برحلة فى أنحاء إيران، فالتقى بأحد مشاهير الدعاة وهو «أبوالنجم السراج»، تعلم على يديه وتأثر به وآمن بمذهبه، والتقى بعد ذلك بالداعية الفاطمى «عبدالملك بن عطاش»، فشجعه على زيارة القاهرة ولقاء الخليفة الفاطمى المستنصر بالله، فاستجاب الصباح لطلبه وأرسل معه «عطاش» رسالة إلى الداعية الفاطمى «أبوداود المصرى» يطلب فيها تسهيل مهمته، وقد كان، فالتقى «الصباح» الخليفة «المستنصر». يقول «ابن الأثير» فى كتابه «الكامل فى التاريخ»: «وفى سنة تسع وسبعين وصل الحسن بن الصباح الإسماعيلى فى زى تاجر إلى المستنصر بالله، وخاطبه فى إقامته الدعوة له بخراسان وبلاد العجم، فأذن له فى ذلك، فعاد ودعا إليه سراً، وقال للمستنصر: من إمامى بعدك؟ فقال: ابنى نزار. والإسماعيلية يعتقدون إمامة نزار».
أقام الحسن الصباح فى مصر ثمانية عشر شهراً، توطدت خلالها علاقته بالفاطميين، واستوعب الكثير من تفاصيل المذهب الإسماعيلى، وبدأ يبشر بالإمامة لنزار من بعد أبيه المستنصر، ولما أحس من «الأفضل الجمالى» انحيازاً لابن اخته أحمد المستعلى بدأ يؤلب المصريين عليه، فكان أن قبض عليه وزج به فى السجن، ولكنه تمكن من الإفلات منه ليعود إلى بلاد فارس من جديد، بعد رحلة إلى مصر استغرقت عاماً ونصف العام. ومنذ أن آل الحكم الفاطمى إلى الخليفة المستعلى وقتل «نزار» بسيف «الأفضل»، بدأ الحسن الصباح ينظر إلى نفسه كطرف فى هذه الخصومة، وتلبسه إحساس بأن من واجبه دفع الظلم الذى وقع على نزار وإخوته وأبنائه، بعد أن سمع بأذنيه من المستنصر عهده بالولاية من بعده إلى ولده «نزار».
لم يمكث «المستعلى» كثيراً فى الحكم، إذ وافته منيته، وولى الأفضل الجمالى الحكم لـ«الآمر بن المستعلى». تفرغ «الآمر» لإعداد رسائل نظرية للرد على مزاعم حسن الصباح فى حق «نزار» فى الخلافة، وقد تضمنت إحدى هذه الرسائل -كما تشير بعض المراجع- وصفاً للنزاريين بـ«الحشيشية». وعلى يد «الحشيشية» كانت نهاية «الآمر»، فى واحدة من أشهر حوادث الاغتيال السياسى التى قام بها أتباع الحسن الصباح. كان «الآمر» فى هودجه يتنزه فيما بين القاهرة والجزيرة فى ذى القعدة سنة 524 عندما هاجمته جماعة مسلحة بالسيوف، يحكى «المقريزى» فى خططه أنها تابعة للنزارية الذين أرادوا الانتقام منه، لما كان من شقاق ما بين أبيه المستعلى وعمه نزار على عرش الفاطميين فى مصر، فحُمل «الآمر» إلى القصر إلا أنه توفى. ورغم تأكيد «ابن الأثير» فى كتابه «الكامل» أن «الآمر» قتل على يد النزاريين (الباطنية)، إلا أنه يسوق سبباً غير مقنع لقتله، يرتبط بسيرته السيئة فى الرعية، لأن فيه إغفالاً غير موضوعى للخصومة السياسية بين «المستعلية» و«النزارية».

عناقيد الغضب .. (2) .. سلسلة بقلم الدكتور/ محمود خليل

من مصر بدأت القصة 
من مصر كانت البداية، وفى إيران (فارس) كان التأسيس والانتشار، وفى الشام كانت الرحلة. قصة «الحشاشين» تحكى لك كيف يبدأ أى تنظيم مسلح من أرض «المظلومية» وكيف يفعل الظلم أفاعيله بنوعية معينة من البشر، ويبرر لهم حمل السلاح فى وجه غيرهم، إذا توافرت القيادة التى تعرف كيف تكرس الإحساس بـ«المظلومية» داخل نفوس أتباعها، وتجيد بلورة فكرة «العنف» ليتحلق الجميع حولها، ويلجمون عقولهم عن التأمل فيها أو بحث درجة منطقيتها، وويل للعالم من بشر يعيشون فى «غيبوبة» عقلية، وإحساس نفسى بـ«المظلومية».
كانت البداية فى أخريات أيام الدولة الفاطمية، وتحديداً نهايات عصر «المستنصر بالله»، الخليفة الفاطمى الذى شهدت مصر فى عصره مجاعة مرعبة، أطلق عليها «الشدة المستنصرية». دعنى أحيلك فى هذا المقام إلى ما حكاه «السيوطى» فى كتابه «حسن المحاضرة فى ملوك مصر والقاهرة»، وهو يصف هذه المجاعة. يقول «السيوطى»: «فى سنة ستين وأربعمائة كان ابتداء الغلاء العظيم بمصر، الذى لم يسمع بمثله فى الدهور؛ من عهد يوسف الصديق عليه السلام، واشتد القحط والوباء سبع سنين متوالية بحيث أكلوا الجيف والميتات، وأفنيت الدواب، وبيع الكلب بخمسة دنانير والهر بثلاثة دنانير، ولم يبق لخليفة مصر سوى ثلاثة أفراس بعد العدد الكثير، ونزل الوزير يوماً عن بغلته، فغفل الغلام عنها لضعفه من الجوع، فأخذها ثلاثة نفر وذبحوها وأكلوها، فأُخذوا فصُلبوا وأصبحوا وقد أكلهم الناس، ولم يبق إلا عظامهم. وظهر رجل يقتل الصبيان والنساء ويبيع لحومهم ويدفن رءوسهم وأطرافهم. وبيعت البيضة بدينار، وبلغ إردب القمح مائة دينار ثم عدم أصلاً. وكان السودان (يقصد السود) يقفون فى الأزقة، يصطادون النساء بالكلاليب، فيأكلون لحومهن، واجتازت امرأة بزقاق القناديل، فعلقها السودان بالكلاليب، وقطعوا منها قطعة، وقعدوا يأكلون وغفلوا عنها، فخرجت من الدار، واستغاثت، فجاء الوالى وكبس الدار، فأخرج منها ألوفاً من القتلى».
شاء الله أن تكون مصر المحطة الأهم فى نشأة جماعة «الحشاشين»، ففيها تشكلت معالم «المظلومية» التى أسس عليها الحسن الصباح جماعة «الحشاشين». قد يسأل سائل: وما العلاقة بين الحديث عن المجاعة التى ضربت مصر عصر «المستنصر» وموضوع «المظلومية» التى أسس عليها «الحسن الصباح» الفارسى جماعة «الحشاشين»؟. وأجيب قائلاً: العلاقة وطيدة بين المسألتين. فقد كانت تلك المجاعة السبب الأهم فى ظهور «عائلة الجمالى» وتبلور ظاهرة «وزير السيف»، على يد بدر الجمالى. كانت المجاعة التى شهدتها مصر أيام «المستنصر» عنيفة تواصلت لمدة سبع سنين، مثلها فى ذلك مثل الشدة اليوسفية التى شهدتها مصر أيام يوسف عليه السلام. وكأن قدر الله تعالى ألا تتوقف الشدائد عن اعتصار مصر والمصريين إلا بعد انقضاء تلك «السباعية». ومن يراجع وصف «السيوطى» لتلك المجاعة المرعبة يستطيع أن يستخلص المأساة الكبرى التى عاشها المصريون خلال تلك السنين، فقد بلغ بهم الأمر حد اللجوء إلى أكل الكلاب والقطط، بل وأكل لحوم بعضهم البعض، بعد أن أعمل من لديه بعض القوة يد القتل فيمن أهلكه الجوع. قد يبدو فى وصف «السيوطى» نوع من المبالغة، أو الشطط فى رسم حجم المأساة التى عاشها المصريون حينذاك، لكن ذلك لا ينفى بحال أنهم عانوا خلال تلك الفترة محنة جوع قاتلة أنهكت أبدانهم ونفوسهم، وبدأت هذه الأزمة تسير فى طريق الحل مع تولى وزير السيف «بدر الجمالى» إمارة الجيوش.
كان ظهور «الجمالى» فى المشهد إيذاناً بالخروج من تلك المحنة، بعد أن نجح فى وضع حد للفوضى والجرائم والفتن، فتخلص من كل رؤوس الفساد فى مذبحة الجمالية، وأعاد السيطرة على الحكومة، وأعاد سلطة القانون للبلاد. وبصعود «أمير الجيوش» إلى منصة الحكم إلى جوار الخليفة الضعيف «المستنصر» بدأ عصر جديد فى تاريخ الدولة الفاطمية، أصبحت الكلمة العليا فيه لأصحاب القوة وصار لـ«وزير السيف» سطوة تفوق سطوة مؤسسة الخلافة الفاطمية التى أصابها الكثير من الوهن. أدخل «الجمالى» العديد من الإصلاحات فى الجهاز الإدارى للدولة، وأعاد تقسيم البلاد إلى مجموعة من الولايات (المحافظات بالمصطلح الحديث) شملت قوص والشرقية والغربية والإسكندرية، بالإضافة إلى القاهرة والفسطاط، وقد أدت تلك الإصلاحات إلى ضبط الأوضاع العامة بعد حالة الفوضى التى سيطرت بالتوازى مع المجاعة التى تعرضت لها البلاد. ومن رحم «بدر الجمالى» خرج ولده «الأفضل» الذى ورث أباه فى إمارة الجيوش، وكانت له مع «الحسن الصباح» شيخ «الحشاشين» قصة، مثلت العامل الأهم فى نشأة «جماعات السيف»، ويبدو أن العلاقة بين «وزراء السيف» و«جماعات السيف» علاقة لزومية!.

عناقيد الغضب .. (1) .. سلسلة بقلم الدكتور/ محمود خليل

عناقيد الغضب .. من الحسن الصباح .. إلى البغدادى
تكوين جماعة مسلحة قادرة على السيطرة على مساحة من الأرض وحكم أهلها ليس بالأمر السهل من عدة وجوه. فهو يتطلب منذ البداية مناخاً مواتياً وسياقاً عاماً تتكامل فيه الأسباب التى تبرّر وجودها وقبولها، ولا بد أن تتحلق هذه الجماعة حول «مظلمة» معينة تبرر لأفرادها مواجهة ومناوأة السياق العام، ومن الضرورى لها وهى تفرد جناحيها على الأرض أن تتسم بأعلى درجات التنظيم والجرأة التى تساعدها على مواجهة قوى منظمة، قد تفوقها فى القوة والتسليح بأضعاف مضاعفة. وهناك حتمية فى أن يتوافر لهذه الجماعة قيادة ملهمة، قادرة على تكريس أفكار وأيديولوجيا تتغلل فى عقل ووجدان المريدين المتحلقين حولها، لتسوقهم أمامها بعد ذلك بأعلى درجات السهولة واليسر، وتحقق بهم أهدافها، حقرت أو عظمت. تلك هى مجموعة الشروط التى تكاملت فى لحظة من لحظات التاريخ الإسلامى فأنتجت جماعة «الحشاشين» التى أصّلت وفعّلت نظريات وطرق وأساليب العنف السياسى، وحمل السيف فى وجه الدول والحكومات والحكام، قبل الزمان بزمان. ورغم الجذور الشيعية لهذه الجماعة، فإن فكرها أصبح عابراً للمذاهب، حين تحول التنظيم إلى فكرة، قابلة للتطبيق فى أزمنة وأمكنة مختلفة وبين بشر متباينين فى المذاهب والمشارب.
إنها القصة الخالدة لجماعات من البشر يجمعها إحساس بـ«المظلومية»، يجيد قائد ذو صفات معينة استخدامهم فى بناء أيديولوجية قادرة على تبرير العنف ضد الآخر، وتوظيف السلاح فى تحقيق الأهداف، لكنها فى كل الأحوال تفتقر إلى القدرة على الاستمرارية، أو بناء تجارب يمكن أن يستفيد منها البشر العاديون، وإن كانت ثمة فائدة ترجى منها فهى تتمثل فى إلقاء حجر فى ماء الحياة السياسية الراكد، وتحريك سواكن أناس، حين تبث فيهم القدرة على تبنى أهداف كبرى، لو أنك سألت كثيرين منهم عن معناها فلن تجد لديهم إجابة محددة أو متماسكة، والفضل فى ذلك يعود إلى القيادة التى تتمتع بمهارة خاصة فى تغييب الأتباع، سواء بوسائل مادية أو معنوية. تلك هى قصة «عناقيد الغضب»، أو حركات العنف المسلح فى تاريخ المسلمين، بداية من طائفة «الحشاشين»، وانتهاء بتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش»، وضع بينهما ما تحب من تنظيمات وجماعات إسلامية مسلحة، كانت تظهر بين الحين والآخر فى هذه الدولة أو تلك من بلاد المسلمين، أو عبر مراحل تطورهم المختلفة. وأود أن أوضح منذ البداية أن الجماعة التى عُرفت فى التاريخ باسم «الحشاشين»، والتى أسسها «الحسن الصباح»، لم تسمِ نفسها بهذا الاسم، ولم يطلق عليها المؤرخون العرب القدامى الذين تعرضوا لشخصية مؤسسها هذا الوصف، إلا قليلاً. الرافد الأساسى لهذه التسمية هو الغرب من خلال كتابات المستشرقين والرحالة والصليبيين الذين دخل معهم «الإسماعيلية النزارية» -وهو المسمى الحقيقى لجماعة الحشاشين- فى قتال ضروس كانوا يؤدون فيه بشكل انتحارى، مسترخصين أرواحهم بشكل لم يعهده الغربيون فى معاركهم العسكرية السابقة، فاندفعوا إلى تفسير ذلك بحالة «الغيبوبة» التى يعيشها «النزارية» قبل خوض المعارك، جراء تناول مخدر «الحشيش»، ومن هذا المنطق أطلقوا عليهم «الحشاشين، ونسجوا حولهم وحول الحسن الصباح أو «شيخ الجبل» الذى يقودهم، مجموعة من الأساطير والهالات السحرية التى شكلت فى أحوال عديدة أكاذيب كبرى تتأسس على بعض الحقائق التاريخية الصغيرة.
وأصل العلة فى ذلك يرتبط بعاملين: أولهما عدم وعى الغربيين بالفكر العقائدى والإعداد القتالى الذى حكم «النزاريين»، خلافاً لغيرهم من المسلمين، والدور الذى تلعبه الفكرة المتحلقة حول «المظلومية» فى تحريكهم، وكذلك العامل المهم المرتبط بإحساسهم بأن قيادتهم تتمتع بنوع خاص من الإلهام الذى يوجب طاعتها، وهو الأمر الذى دفع الغربيين إلى تفسير الأداء القتالى لـ«النزاريين» طبقاً لنظرية «غيبوبة الحشيش» الذى يتعاطونه داخل حديقة «آلموت»، العامل الثانى يرتبط بالمسلمين أنفسهم -من أهل السنة- الذين ناصبوا «النزاريين» العداء، وروّجوا لتشويههم، وإلصاق الكثير من المعايب بهم، ومن بينها (تعاطى الحشيش)، بغض النظر عن وجه الحقيقة أو الأسطورة فيها. عموماً سنستخدم اللفظ الدارج أو الأكثر انتشاراً، وهو لفظ «الحشاشين»، فى سرد حكاية جماعة «الإسماعيلية النزارية» التى تحلقت حول الحسن الصباح «شيخ الجبل»، وشكلت عبر مراحل متتابعة تجربة ملهمة للعديد من الجماعات المسلحة فى تاريخ المصريين. كان أول مظهر للإلهام فيها هو بدء الرحلة من «جبل»، وهى الفكرة التى كرستها العقيدة الإسلامية التى احتفت بالجبل، وجعلته رمزاً أصيلاً من رموزها، ففوق جبل «حراء» هبط وحى السماء على النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، وداخل غار بجبل «ثور» تمكن النبى وصاحبه «الصديق» من الاختباء، خلال مطاردة المشركين لهما فى رحلة الهجرة إلى المدينة، التى شكلت منعطفاً خطيراً فى تاريخ الدعوة الإسلامية، وفوق جبل «عرفات» كانت خطبة الوداع، وفيها وصية النبى إلى الأمة. ومن قلعة فوق جبال «الديلم» خرج شيخ الجبل «حسن الصباح»، ومن جبال أفغانستان خرجت «طالبان»، ومن جبل «الحلال» بسيناء تعمل جماعة «أنصار بيت المقدس». وكل جبل وله «شيخ»!

السبت، 13 يونيو 2015

أشهر مواقع تحميل للكتب بصيغة pdf

أشهر مواقع تحميل الكتب بصيغة pdf



أولا المكتبات العربية 



المكتبة الوقفية
http://www.waqfeya.com/


مكتبة المصطفى الالكترونية
http://www.al-mostafa.com/
المكتبة الشاملة 
http://shamela.ws/



موقع يعسوب 
http://www.mktaba.org/vb/showthread.php?t=1323


موقع كتابك 
http://read.kitabklasik.co.cc/


مكتبة صيد الفوائد 
http://www.saaid.net/book/list.php?cat=7



موسوعة الساخر 
http://www.alsakher.com/vb2/showthread.php?t=132065
المكتبة الالكترونية المميزة 
http://nahlabooks.blogspot.com/




شبكة الاوائل 
http://www.trytop.com/book37-10-dateD-10.html

موقع نهضة العرب 
http://arabicivilization2.blogspot.com/



المكتبة العربية الاسلامية 
http://www.almaktba.com/المكتبة العربية 
http://abooks.tipsclub.com//

المكتبة العربية المجانية 
http://www.daraleman.org/Library.htm


مكتبة العرب للعرب 
http://creative-arab.blogspot.com/


موقع جامعة النجاح الوطنية ( رسائل ماجستير و دكتوراه )
http://www.najah.edu/index.php?page=...a=%26limit%3D0


موسوعة دهشة 
http://www.dahsha.com/index.php?catid=663مكتبة الطريق إلى الجنة" >شبكة عربى
http://www.3rbe.com/books/index.php


مكتبة الجليس 
http://www.aljlees.com/index.html




موقع لكتب تاريخية 
http://aymano2005.maktoobblog.com/10...kotob_atarikh/


مكتبة عبد الحق غازى الالكترونية 
http://www.fiseb.com/


موقع جامع الكتب المصورة
http://www.kt-b.com/index.htm
مكتبة منتديات نبع الوفاء
http://www.s0s0.com/vb/forumdisplay.php?f=28


موسوعوعة التاريخ و الآثار
http://history8archaeology.yoo7.com/forum.htm



موقع الوراق

http://www.alwaraq.net/Core/index.jsp?option=1


موقع ارشيف : عربى اجنبى
http://www.archive.org/

الجمعة، 12 يونيو 2015

أخـاف عـلـيـك .. مـنـى ( الجزء الرابع )

قال : والألم يعتصره :ـــ
أعرف ماذا يدور بداخلك .. وأقدر لك خوفك ..
والتساؤل الذى لديك .. ماذا قدم الـحـب للآخـريـن ؟..
غير العذاب .. أو الحرمان .. أوالإستسلام .. أوالهزيمة .. أوالتعاسة 
العذاب .. من حبيب يهجر ..
الحرمان .. من قلب يبتعد ..
الإستسلام .. لواقع كانوا يحلمون بتغييره ..
الهزيمة .. أمام حلم أصبح كالسراب أو كأنه السراب ..
التعاسة .. من أحلام تركت جروحاً فى القلب من الصعب أن تندمل 
ولكنى أقول برغم كل هذا 
أن النفوس الكبيرة التى أعتقد أنك منها تعرف 
[ أن بالحب أكون إنسان ..
ولو لم يحقق الحب لى غير إنسانيتى كفانى ]
 قالت : 
أنت تخلط بين الحلم والحقيقة ..
أو قل فى زماننا هذا كيف نفرق بين الحب والسراب . .
بين الحضور الطاغى لإنسان نحبه داخل نفوسنا ..
وبين أن يحيا أيامه فى حُـضـن الـغـيـاب




 رابط الجزء الأول .. 

أخــاف عـلـيـكِ .. مـنـى

رابط الجزء الثانى ..  

أخـاف عـلـيـك .. منى ( الجزء الثانى )

رابط الجزء الثالث ..

أخـاف عـلـيـك .. مـنـى ( الجزء الثالث )

قال : 
أعرف أن بداخلك شوق للحياة ..
وخوف من السقوط فى بحر الحياة ..
وأنت وحيدة .. وحيدة .. وحيدة
وحيدة مع نفسك ..
وحيدة مع عقلك ..
وحيدة مع قلبك ..
تعيشين فى غربة حقيقية معهم .. بعيدة عن الناس ..
وصنعتِ شرنقة لنفسك حتى لايرى أحد ضعفك 
وكتبتِ على بابك ممنوع الإقتراب 
وبداخلك إنسان يريد التواصل .. لايعرف معنى الغياب ..
يريد أن يرى الحب إنسان ..
العشق إنسان ..
المعنى إنسان
من يفهم أنكِ التجسيد الحقيقى للإنسان .. بانتصاراته وانكساراته 
وأعطيتِ للناس مايريدون ..
وما أحببتِ أن يروه فيكِ ولديكِ
رأوا معنى الإرادة عند الإنسان .. وأحييكِ على هذا ..
ومعنى التحدى لذات الإنسان نفسه قبل أن يكون للآخرين 
وأرفع لكِ القبعة على هذا 
وأغلقتِ على نفسك وقلبك كل الأبواب ..
وتركت المسرح فى حياتك للعقل وحده ..
[ ونـسـيـت بـرغـم كـل شـئ أنـك إنـسـان ]
وأنك بداخلك يولد حب ...
فلا تحاولى أن تغتاليه حتى لا تتوه منك براءتك 
لا تحاولى أن تقتلى الحُلم بداخل نفسك 
قالت :
مالى وللحب ..
مالى والأحلام

 رابط الجزء الأول .. 

أخــاف عـلـيـكِ .. مـنـى

رابط الجزء الثانى ..  

أخـاف عـلـيـك .. منى ( الجزء الثانى )

الأربعاء، 10 يونيو 2015

دخول العائلة المقدسة مصر .. عيداً قومياً

مقالة فاطمة ناعوت بجريدة الوطن فى 5 يونيو 2015
جلسنا يومَ ١ يونيو فى بهو كنيسة «المغارة»، مصر القديمة، لنحتفل بيوم تاريخى عالمى مشهود، حدث قبل ألفى عام. اليوم الذى دخلت فيه مصرَ السيدةُ العذراءُ، مريمُ المُطهّرة، حاملةً على يديها طفلّها عيسى المسيح، عليه السلام، هرباً من هيرودس الرومانى، ملك فلسطين آنذاك. مكثت العائلة المقدسة فى مصر أعواماً ثلاثة، باركت كل شبر فيها من رفح إلى أسيوط. ولأنه يومٌ عالمىّ، فقد حضر سفيرُ إيطاليا بالقاهرة، مصطحباً «أوركسترا سيمفونى» من أربعة عازفين إيطاليين، وصوليست أوبرالية ساحرة الصوت، لإحياء هذا العيد التاريخى المهم.
أىُّ أرضٍ سوى أرض مصر الطيبة استقبلت ذاك الوليد الجليل، وأمَّه أطهر نساء العالمين، والقديس يوسف النجار، هرباً من الشرير قاتل الأطفال؟ حماه اللهُ ليكبر ويغدو رسولَ السلام للإنسانية كافة، «يجول يصنع خيراً»، بعدما طوّبه اللُه بالسلام عليه: «يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً». أرضنا الطيبة كانت لتلك العائلة «رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ». جالت فيها سيدةُ الفضيلة فتفجّرت تحت قدميها عيونُ الماء، وشقشقت بكل بقعة وطأتها زهورُ البيلسان، فامتلأت أرضُنا بخصب لا يبور، وإن بارت الأرضُ.
طافت العائلةُ المطوّبة من شرق مصر إلى غربها إلى جنوبها ثم عادت من حيث أتت. دخلوا مصرَ من «رفح»، بعد رحلة ألف ميل من فلسطين، ثم «العريش». ومنها إلى «فرما»، فى سيناء. بعدها دخلوا «تل بسطا» (جوار الزقازيق الراهنة)، وكانت تسمى وقتئذ «مدينة الآلهة». جلسوا هناك تحت شجرة، وظمأ الطفلُ، ولم تجد العذراءُ ماءً، فحزنت. فأمسك يوسف النجار بقضيب من الحديد وضرب جوار الشجرة فانفجرت بئرُ ماء. واستأنفوا الرحلة إلى «مسطرد» ثم «بلبيس» ثم شمالاً نحو «سمنّود» ثم غرباً نحو «البُرّلس» ثم «سخا». ثم عبروا ضفة النيل الغربية نحو الشرق ونزلوا فى «وادى النطرون». ثم دخلوا منطقة «عين شمس». وما زالت هناك شجرةٌ عتيقة اسمها «شجرة مريم» بالمطرية حيث تفجّرت هناك بئر روت السيدة العذراء وأسرتها. ثم ارتحلت الأسرة إلى «الفسطاط» وهى المنطقة المعروفة باسم «بابليون» بمصر القديمة حيث اختبأوا فى مغارة محلّها الآن كنيسة «أبوسرجة»/ المغارة، التى نقفُ الآن فى رحابها.
بعدها دخلوا «المعادى» ومكثوا فى البقعة التى تحتلها الآن كنيسة «السيدة العذراء». ثم ارتحلوا جنوباً نحو الصعيد ومكثوا برهة فى قرية «البهنسا». ثم جنوباً نحو «سمالوط» ومنها عبروا النيل شرقاً إلى «جبل الطير». ومجدداً من شرق النيل إلى غربه حيث بلدة «الأشمونيين»، ثم جنوباً حيث «ديروط»، ثم «القوصية»، ثم غرباً حتى قرية «مير». وأخيراً «دير المحرّق»، أهم محطّات الرحلة المقدسة، حيث مكثوا بها ستة أشهر، ثم محطتّهم الأخيرة فى «جبل درنكة» بأسيوط حيث سكنوا مغارة قديمة. لتبدأ بعدها رحلة العودة إلى أرض فلسطين الطيبة.
هل يجوز بعد هذا التاريخ الذى سطرته مصرُ فى قلبها للسيد المسيح وأمه البتول، أن يكون لبلد آخر عروةٌ وثقى ورباطٌ أزلى أبدى يربط الأقباطَ بأرضهم مصر، التى سمّاها أجدادنا الفراعنة «ها كا بتاح»، أى «منزل روح الإله بتاح»، ومنها اشتقت كلمة «قَبَط»، ثم «إيجبت»؟!

بمناسبة تهجير أسر مسيحية فى تزامن مع هذا العيد، أطالب المسئولين بأن يجعلوا هذا اليوم الطيب عيداً جماهيريّاً يحتفل به الشعب المصرى كافة، كما أطالب وزارة السياحة بتنظيم رحلات سياحية تقتفى أثر تلك الرحلة المقدسة، فيكون لها مردٌّ هائل يُنعش حركة السياحة الراكدة، والأهمُّ، ينعش المعرفة المنعدمة بتاريخ أرض طيبة العريقة؟

ألغوا القنوات فى رمضان

مقالة الدكتور معتز عبدالفتاح بجريدة الوطن
كتب الدكتور مصطفى محمود (رحمة الله عليه) مقالاً بعنوان: «لماذا لا يحترم الإعلام العربى رمضان؟»، جاء فيه:
لماذا يتحول رمضان إلى شهر ترفيهى بدلاً من شهر روحانى؟ لست شيخاً ولا داعية، ولكنى أفهم الآن لماذا كانت والدتى تدير التلفاز ليواجه الحائط طوال شهر رمضان.. كنت طفلاً صغيراً ناقماً على أُمى التى منعتنى وإخوتى من مشاهدة فوازير بينما يتابعها كل أصدقائى.. ولم يشفِ غليلى إجابة والدتى المقتضبة «رمضان شهر عبادة مش فوازير!»، لم أكن أفهم منطق أمى الذى كنت كطفل أعتبره تشدداً فى الدين لا فائدة منه.. فكيف ستؤثر مشاهدة طفل صغير لفوازير على شهر رمضان؟
من منكم سيدير جهاز التلفاز ليواجه الحائط فى رمضان؟
مرت السنوات وأخذتنى دوامة الحياة وغطى ضجيج معارك الدراسة والعمل على همسة سؤالى الطفولى، حتى أراد الله أن تأتينى الإجابة عن هذا السؤال من رجل مسن غير متعلم فى الركن الآخر من الكرة الأرضية، كان ذلك الرجل هو عاملاً أمريكياً فى محطة بنزين اعتدت دخولها لشراء قهوة أثناء ملء السيارة بالوقود فى طريق عملى، وفى اليوم الذى يسبق يوم الكريسماس دخلت لشراء القهوة كعادتى، فإذا بى أجد ذلك الرجل منهمكاً فى وضع أقفال على ثلاجة الخمور، وعندما عاد للـ(كاشير) لمحاسبتى على القهوة، سألته وكنت حديث عهد بقوانين أمريكا: «لماذا تضع أقفالاً على هذه الثلاجة؟؟»، فأجابنى: «هذه ثلاجة الخمور وقوانين الولاية تمنع بيع الخمور فى ليلة ويوم الكريسماس يوم ميلاد المسيح». نظرت إليه مندهشاً قائلاً: أليست أمريكا دولة علمانية.. لماذا تتدخل الدولة فى شىء مثل ذلك؟ قال الرجل: «الاحترام.. يجب على الجميع احترام ميلاد المسيح وعدم شرب الخمر فى ذلك اليوم حتى وإن لم تكن متديناً.. إذا فقد المجتمع الاحترام فقدنا كل شىء».
الاحترام.. (الاحترام) ظلت هذه الكلمة تدور فى عقلى لأيام وأيام بعد هذه الليلة.. فالخمر غير محرم عند كثير من المذاهب المسيحية فى أمريكا.. ولكن المسألة ليست مسألة حلال أو حرام.. إنها مسألة احترام.. فهم ينظرون للكريسماس كضيف يزورهم كل سنة ليذكرهم بميلاد المسيح عليه السلام، وليس من الاحترام السكر فى معية ذلك الضيف.. فلتسكر ولتعربد فى يوم آخر إذا كان ذلك أسلوب حياتك.. أنت حر.. ولكن فى هذا اليوم سيحترم الجميع هذا الضيف وستضع الدولة قانوناً!
أتمنى أن نحترم شهر القرآن، ونعرف ماذا نشاهد.
ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه، قال تعالى: «وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ».
انتهى كلام الدكتور مصطفى محمود.
قال من أرسل هذه المقالة ما يلى: أنا على قناعة بأن إعلامنا نزع مفردة الاحترام من قاموسه، ولكن السؤال: هل ستتحلى أنت بقليل من الاحترام وتقلب شاشة تليفزيونك.. أو على أقل تقدير، حذف بعض القنوات، والاكتفاء بما يعزز احترامك لشهر رمضان الفضيل.
أقول إننى غير متابع جيد لبرامج رمضان، وأتذكر أن آخر مسلسل شاهدته كان مسلسل «الجماعة» للأستاذ وحيد حامد، لأهمية الموضوع ولأهمية المؤلف، وسأقضى أغلب رمضان هذا العام خارج مصر، فى رحلات عمل، ومع ذلك أنا أدعو المصريين إلى أن يفكروا جيداً فى النتائج السلبية لتحويل هذا «الشهر» إلى حالة من «العهر» باسم التسلية والترفيه.
فكرة إغلاق التليفزيون أطول فترة ممكنة أو حذف القنوات التى لا تحترم قدسية الشهر ومكانته فكرة جيدة، ورغماً عن أننى أتبناه تلقائياً لكن قد تكون مفيدة لآخرين.
خلونا نقرب منه سبحانه وتعالى شوية، إحنا محتاجينه وبنبعد عنه وبتاخدنا الدنيا رغماً عن معرفتنا بدونيتها وبدنو أجلنا فيها، ففرصة يمكن ربنا يردنا إليه رد الكرام عليه، بدل ما يردنا إليه رد الغافلين عنه.
كل رمضان وحضراتكم إلى الله أقرب وعن الخطايا أبعد.

المنصف المرزوقى .. الحظ حين يأتى وحين يغيب

مقالة الأستاذ أحمد المسلمانى بجريدة الوطن
التقيتُ الرئيس التونسى السابق المنصف المرزوقى فى قصر قرطاج.. فى أعقاب تولّيه رئاسة البلاد.
كنتُ فى زيارة مع كبير العلماء العرب الدكتور أحمد زويل، وكان المرزوقى لا يزال حديثَ العهد بالكتابات والدراسات.
أجريتُ حواراً معه فى برنامجى السابق «الطبعة الأولى».. وحضرتُ معه محاضرة للدكتور زويل.. وتحدثنا ساعات متفرقة فى الثورة والدولة.
(1)
كان المنصف المرزوقى غريب الأطوار، لكن غرابة الأطوار لم تكن قد تمكنّتْ منه بعد.
حكى لى الأستاذ نجاد البرعى أن «غرابة الأطوار» صفة قديمة لدى المرزوقى.. وأنه شخصٌ متقلب وحادٌّ ومن الصعب فهم ما الذى يقول، ولا ما الذى يريد.
قال لى بعض موظفى القصر: إن الرئيس يتجوّل فى أروقة الرئاسة دون التزام الشكل المناسب، وإن مستوى البروتوكول قد انهار تماماً.. كما أن هيبة قرطاج قد انكسرتْ وتلاشتْ. وقد قام لاحقاً عددٌ من النشطاء التونسيين بجمع غرائب الرئيس فى مشاهد «قذافية» الطابع.. كانت مثار دهشة وذهول.
كان الأداء الكاريكاتيرى للرئيس المنصف المرزوقى داخل السلطة وخارجها معروفاً للجميع، ولم يتصوّر الشعب التونسى يوماً أن يكون شخص محدود إلى هذا الحد أولَ رئيس لبلادهم عقب ثورة الياسمين.
(2)
أصبح المرزوقى الذى كان يُقدم نفسه باعتباره «ناشطاً علمانياً» رجل التحالف الغربى الإخوانى الأكثر إخلاصاً وانصياعاً. كان هناك داخل الإخوان فى تونس من ينتقد الجماعة، وكان الشيخ عبدالفتاح مورو، أحد مؤسسى الجماعة فى تونس، ينتقد الجماعة بين الفينة والأخرى.. ولكن المنصف «العلمانى المتطرف» الذى تزوج من فرنسية مسيحية وأنجب ابنتيْن تعيشان حياة حديثة فى باريس.. قد أصبح رجلَ الإسلام السياسى الأول.. والخادم الأكبر لجماعة الإخوان المسلمين.
(3)
فشل المرزوقى فى حكم تونس.. وأوشكت البلاد على الضياع.. الآلاف يحاولون إقامة إمارة متطرفة فى الجنوب، وآلاف أخرى ذهبت إلى داعش.. وآلاف ثالثة تستعد لإقامة ولاية تونس فى دولة الخلافة الأفريقية.
كان الاقتصاد هو الآخر ينهار.. وكان الأمل لدى الشعب التونسى الذى يتمتع بمستوى حضارى رفيع.. ينحسر رويداً رويداً.. وسادت سحب اليأس فى البلد الأكثر تعليماً فى شمال أفريقيا. كان المرزوقى هو الآخر ينهار.. وبدأت موجة عاتية من كراهية الثورة التى جاءت بالمرزوقى رئيساً، والغنوشى راعياً.. والقاعدة مستقبلاً.
أصبح المرزوقى والغنوشى هما «الثورة المضادة».. أصبحا معاً السبب فى حالة الإحباط من «الياسمين» الذى صار «شوكاً». وبدلاً من أن يمدّ المرزوقى يده للتيار المدنى ولحركات الحداثة التونسية.. راح يقوّى من اندماجه مع «التحالف الإخوانى الغربى». وبدلاً من أن يعمل الرئيس الثورى على إنقاذ الثورة وبناء الدولة.. راح يعمل على إنقاذ السلطة وتكوين الثروة.
أصبح المرزوقى مستشاراً لأمير قطر.. ورجل الثورة المضادة التى تريد للإرهاب أن يسطو على الربيع العربى.
(4)
لم يكن الشعب التونسى راضياً عن الوصاية القطرية على بلد تمثل نخبته واحدة من أرفع النخب العربية وأكثرها كفاءة وامتيازاً. وحين زار أمير قطر تونس فى عهد المرزوقى، خرجت مظاهرات ضخمة ضد الأمير.. ولكن الجملة التى قالها الأمير على الهواء وأمام الجميع كانت مذهلة.. قال الأمير: «أنا الذى أُعلِّم الرئيس كيف يقف وكيف يستقبل الضيوف».
(5)
أصبح «المفكر» المنصف المرزوقى تلميذاً للأمير القطرى، وأصبح رئيس بلد ابن خلدون وجامع الزيتونة يتعلّم الوقوف والسلام من أستاذه الأمير.
خرج المرزوقى من السلطة.. لتعود الحياة إلى تونس من جديد.. أصبح المرزوقى مستشاراً لأستاذه.. وكانت أول تكاليف الأستاذ للتلميذ.. استهداف مصر. لكن الأمير والرئيس لا يدركان أن مياهاً كثيرة قد جرتْ فى النهر.. وأن الحظ الذى رافق المرزوقى قد انتهى.
خرج الأمير والرئيس من التاريخ.. ولم يعد لهما القدرة على الخداع من جديد.
قلبى مع المرزوقى.. إنها محنة الحظ حين يأتى وحين يغيب.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر.

تـخـلـص مـن مـخـاوفـك الآن



من الأشياء التي تقض مضاجعنا جميعا وتسبب لنا قلقا دائما ، مخاوفنا .
الخوف طبيعة مزروعة في نفوسنا البشرية ، وإذا لم يتعد حده الطبيعي ولم يتحول إلى خوف
مرضي أو فوبيا فليس هناك قلق .
جميعنا له منطقة مظلمة في عقله ، مليئة بأشياء يهابها ويخافها ، هناك من يخاف من المرتفعات ، 
هناك من يخاف من المواجهة ، هناك من يخاف الفشل وهكذا . وتختلف هذه الأشياء من
 شخض لآخر ونتباين في ما نخاف منه ، ولكن يبقى السؤال  الأهم : كيف أتجاوز مخاوفي
بحيث لا تؤثر على سير حياتي طبيعيا  وتعرقل أهدافي أو حتى كيف أتغلب عليها كليا ؟
سنحاول أن تصل بنهاية المقال لجواب شاف لهذا السؤال وأن تتحول لإنسان يتحكم في مخاوفه ، ولا يجعلها تقف عائقا أمام أهدافه .

- تحدث إلى شخص أو حتى إلى أوراقك ! :

من أهم المراحل في حل مشكلة خوفك من شئ ما هو ألا تخدع نفسك أو تنكر خوفك ، عليك أن تعترف وأن تحاول توصيف مشكلتك بدقة ، يمكنك ببساطة أن تتحدث إلى شخص قريب لك و
تجلسا معا لتوصفا مشكلة خوفك بتفاصيلها وإذا كنت لا تفضل الحديث مع أحد عن هذا الأمر ، تحدث إلى أوراقك ! ، نعم ، اكتب ، حلل مشكلة خوفك اوصفها، فالكتابة تخفف من حدة توترك بالأمر .

لا تهرب أبدا ! :

ليس هناك حل أنجع للتخلص من مخاوفك من أن تواجهها وتتقبلها حتى تستطيع تجاوزها ، تفاديك لمخاوفك لن يزيدها إلا سوءا ولن يزيدك إلا رهبة منها . ابدأ بالتدريج وعرض نفسك لما
تخافه شيئا فشيئا ، مع الزمن سيقنعك عقلك الباطن أن هذا الشئ سهل وعادي وليس بالتهويل
الذي كنت تتصوره إلى أن تتغلب عليه !

 مثلا إذا كنت تخاف من المناسبات الاجتماعية التي لا تعرف فيها أناسا كثيرين ، جرب بأن
تذهب لمناسبة ومعك صديقان ثم صديق واحد  وتتعرف على عدد من الحضور ، وبتكرار
 التجربة ستجد نفسك لا ترفض دعوة مناسبة أنت لا تعرف فيها أي أحد حتى !

ابتعد عن الإجهاد :

راحتك الجسدية لها تأثير على مزاجك واسترخائك وهو ما يؤثر على رفضك للأشياء الجديدة
أو المخيفة بالنسبة ، حاول أن تسترخي كل يوم وأن تأخد قسطا كافيا من الراحة ، حتى أن
بعض المختصين ينصحون بفترة 10 دقائق يوميا على الأقل تكون مستيقظا فيها ولا تفعل شيئا
احصل على الدوافع والإلهامات :
حاول دائما إذا أصابك الخوف من الفشل أن تقرأ عن الناجحين و إنجازاتهم والظروف الصعبة التي مروا بها خاصة من تعتبرهم قدوة لك ،
أو أن تشاهد إحدى فيديوهات TED  التي سوف تعطيك دفعة من الحماس

أنا أستطيع :

كن مقتنعا دائما أنك تستطيع تجاوز مخاوفك كلها ومشاكلك ، قناعتك هذه من شأنها زيادة ثقتك
 بنفسك وبالتالي إنجازك لمهماتك وتغلبك على ما تخاف منه .
الاستفادة ممن هم حولك :
تواصلك مع الآخرين من حولك و مساعدتك لهم في تخكي مخاوفهم من شأنه أن يدفعك ويقنعك بإيجابية
أنك تستطيع تخطي مخاوفك ، حاول أن تساعد من حولك وأن تكون دائم التواصل
معهم .

لا تقف في مكانك :

مدى مقدراتك وتأهيلك يؤثر جدا على تغلبك لمخاوفك ، حاول دائما أن ترفع من مقدراتك و
تأهيلك وتطور نفسك ، ادخل في دورات تدريبية ، الكورسات على الانترنت ، مقاطع الفيديو ،

الكتب وغيرها ، استخدم هذه الوسائل في تحسين نفسك وستتغلب على مخاوفك لتتحول لإنسان قوي .