مقالة الأستاذ أحمد المسلمانى بجريدة الوطن
التقيتُ الرئيس التونسى السابق المنصف المرزوقى فى قصر قرطاج.. فى أعقاب تولّيه رئاسة البلاد.
كنتُ فى زيارة مع كبير العلماء العرب الدكتور أحمد زويل، وكان المرزوقى لا يزال حديثَ العهد بالكتابات والدراسات.
أجريتُ حواراً معه فى برنامجى السابق «الطبعة الأولى».. وحضرتُ معه محاضرة للدكتور زويل.. وتحدثنا ساعات متفرقة فى الثورة والدولة.
(1)
كان المنصف المرزوقى غريب الأطوار، لكن غرابة الأطوار لم تكن قد تمكنّتْ منه بعد.
حكى لى الأستاذ نجاد البرعى أن «غرابة الأطوار» صفة قديمة لدى المرزوقى.. وأنه شخصٌ متقلب وحادٌّ ومن الصعب فهم ما الذى يقول، ولا ما الذى يريد.
قال لى بعض موظفى القصر: إن الرئيس يتجوّل فى أروقة الرئاسة دون التزام الشكل المناسب، وإن مستوى البروتوكول قد انهار تماماً.. كما أن هيبة قرطاج قد انكسرتْ وتلاشتْ. وقد قام لاحقاً عددٌ من النشطاء التونسيين بجمع غرائب الرئيس فى مشاهد «قذافية» الطابع.. كانت مثار دهشة وذهول.
كان الأداء الكاريكاتيرى للرئيس المنصف المرزوقى داخل السلطة وخارجها معروفاً للجميع، ولم يتصوّر الشعب التونسى يوماً أن يكون شخص محدود إلى هذا الحد أولَ رئيس لبلادهم عقب ثورة الياسمين.
(2)
أصبح المرزوقى الذى كان يُقدم نفسه باعتباره «ناشطاً علمانياً» رجل التحالف الغربى الإخوانى الأكثر إخلاصاً وانصياعاً. كان هناك داخل الإخوان فى تونس من ينتقد الجماعة، وكان الشيخ عبدالفتاح مورو، أحد مؤسسى الجماعة فى تونس، ينتقد الجماعة بين الفينة والأخرى.. ولكن المنصف «العلمانى المتطرف» الذى تزوج من فرنسية مسيحية وأنجب ابنتيْن تعيشان حياة حديثة فى باريس.. قد أصبح رجلَ الإسلام السياسى الأول.. والخادم الأكبر لجماعة الإخوان المسلمين.
(3)
فشل المرزوقى فى حكم تونس.. وأوشكت البلاد على الضياع.. الآلاف يحاولون إقامة إمارة متطرفة فى الجنوب، وآلاف أخرى ذهبت إلى داعش.. وآلاف ثالثة تستعد لإقامة ولاية تونس فى دولة الخلافة الأفريقية.
كان الاقتصاد هو الآخر ينهار.. وكان الأمل لدى الشعب التونسى الذى يتمتع بمستوى حضارى رفيع.. ينحسر رويداً رويداً.. وسادت سحب اليأس فى البلد الأكثر تعليماً فى شمال أفريقيا. كان المرزوقى هو الآخر ينهار.. وبدأت موجة عاتية من كراهية الثورة التى جاءت بالمرزوقى رئيساً، والغنوشى راعياً.. والقاعدة مستقبلاً.
أصبح المرزوقى والغنوشى هما «الثورة المضادة».. أصبحا معاً السبب فى حالة الإحباط من «الياسمين» الذى صار «شوكاً». وبدلاً من أن يمدّ المرزوقى يده للتيار المدنى ولحركات الحداثة التونسية.. راح يقوّى من اندماجه مع «التحالف الإخوانى الغربى». وبدلاً من أن يعمل الرئيس الثورى على إنقاذ الثورة وبناء الدولة.. راح يعمل على إنقاذ السلطة وتكوين الثروة.
أصبح المرزوقى مستشاراً لأمير قطر.. ورجل الثورة المضادة التى تريد للإرهاب أن يسطو على الربيع العربى.
(4)
لم يكن الشعب التونسى راضياً عن الوصاية القطرية على بلد تمثل نخبته واحدة من أرفع النخب العربية وأكثرها كفاءة وامتيازاً. وحين زار أمير قطر تونس فى عهد المرزوقى، خرجت مظاهرات ضخمة ضد الأمير.. ولكن الجملة التى قالها الأمير على الهواء وأمام الجميع كانت مذهلة.. قال الأمير: «أنا الذى أُعلِّم الرئيس كيف يقف وكيف يستقبل الضيوف».
(5)
أصبح «المفكر» المنصف المرزوقى تلميذاً للأمير القطرى، وأصبح رئيس بلد ابن خلدون وجامع الزيتونة يتعلّم الوقوف والسلام من أستاذه الأمير.
خرج المرزوقى من السلطة.. لتعود الحياة إلى تونس من جديد.. أصبح المرزوقى مستشاراً لأستاذه.. وكانت أول تكاليف الأستاذ للتلميذ.. استهداف مصر. لكن الأمير والرئيس لا يدركان أن مياهاً كثيرة قد جرتْ فى النهر.. وأن الحظ الذى رافق المرزوقى قد انتهى.
خرج الأمير والرئيس من التاريخ.. ولم يعد لهما القدرة على الخداع من جديد.
قلبى مع المرزوقى.. إنها محنة الحظ حين يأتى وحين يغيب.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق