ولع بالزعامة .. أم قدرة على السيطرة ؟
«الحسن الصباح» شخصية «كاريزمية»، وبقدر ما كانت تتمتع بشهوة الحكم، والرغبة الجامحة فى الوصول إلى السلطة، إلا أنها كانت تمتلك القدرات التى تمكنها من تحقيق الهدف. حلل المفكر الكبير «عباس محمود العقاد» شخصية «الحسن الصباح» من زاوية نفسية، كما تعود، وخلص فى تحليله إلى أن «الصباح» شخصية مولعة بجنون السيطرة والغلبة، وأنه كان مسوقاً من نفسه التى كانت تغلبه باستمرار وتدفعه إلى السيطرة على الآخرين، وقد غلب جنون السيطرة على ما تمتع به الرجل من دهاء. ويفسر «العقاد» صراع «الصباح» مع «الأفضل الجمالى»، بالرغبة الجامحة لدى الأول فى المنافسة، وأنه انحاز إلى «نزار»، لمجرد أن «الجمالى» نادى بـ«المستعلى» خليفة لأبيه «المستنصر»، أى على سبيل العناد فقط. وخلافاً لما قاله «العقاد» عندما وصف شخصية «الحسن الصباح» بجنون السيطرة والولع بالسلطة والتحدى لمجرد العناد، قدم «ابن الأثير» فى كتابه «الكامل فى التاريخ» وصفاً مخالفاً لشخصية «حسن الصباح»، يبدو أن «العقاد» لم يتأمله بما يكفى. يقول «ابن الأثير»: «كان الحسن بن الصباح رجلاً شهماً، كافياً، عالماً بالهندسة، والحساب، والنجوم، والسحر».
نجاح أى شخصية فى الوصول إلى منصة الزعامة، وتجييش الأتباع، ودفعهم إلى الموت فى سبيل تحقيق ما تؤمن به من أفكار، بغض النظر عن درجة الوجاهة أو السفه فيها، يستوجب توافر العديد من القدرات والمقومات التى تؤهلها للتأثير فى الأتباع من ناحية وإدارتهم من ناحية أخرى. كلنا متفقون على رفض فكرة «الاغتيالات» كوسيلة للصراع السياسى، لكن الرفض أمر، والتقييم الموضوعى للشخصيات التى تمكنت من تكريس هذه الفكرة لدى مجموعة من الأتباع وشكلت منهم فرقاً لتنفيذ أحكام الإعدام فى الخصوم السياسيين أمر آخر. فمن الضرورة بمكان أن تكون الشخصية التى تقود هكذا عمل، على وعى وفهم دقيق للسياق، واكتشاف نقاط الضعف فيه، وبناء خطاب للمظلومية قادر على اجتذاب الأتباع، خصوصاً من العوام والضعفاء الذين يدفعون الضريبة الأكبر لوجود الظلم فى كل زمان ومكان، ولا بد أن يكون لديها رؤية متكاملة حول منهجية تربية الأتباع وإعدادهم وتهيئتهم للقيام بالمهام المطلوبة منهم، وأن تتمكن فى لحظة معينة من تحويل جماعتها إلى ما يشبه الدويلة لخلق نقطة انطلاق تستطيع أن تناوئ منها السلطة التى تحكم الدولة الأكبر.
والقاسم المشترك الأعظم بين أغلب الشخصيات التى قادت الجماعات العنقودية يرتبط بالأساس بسمتين، السمة الأولى هى القدرات التربوية. والثانية الخبرات العسكرية. لو حللنا العديد من الشخصيات التى لعبت دوراً مهماً فى بناء التنظيمات العنقودية، من لدن «الحسن الصباح» حتى الآن، فستجد أن السمة «التربوية» حاضرة فى تركيبتهم وتكوينهم بدرجة كبيرة، فقد كان أغلبهم معلمين تربويين. «الصباح» كان معلماً للمذهب الإسماعيلى، وحسن البنا كان معلماً بوزارة المعارف، وكذلك كان سيد قطب، والدكتور صالح سرية -قائد تنظيم الفنية العسكرية- كان متخصصاً فى «المناهج وأصول التربية»، وله رسالة باسمه بجامعة عين شمس تبحث فى هذا التخصص، وحتى أبوبكر البغدادى خليفة «داعش» كان لديه غرام بالدراسات التربوية، وقد عمل معلماً وتربوياً أيضاً. ويحتار المحلل فى سياق توافر هذه السمة بسخاء فى أغلب قادة «فرق الاغتيال»، وهل هى تعود إلى أهمية هذا التخصص وحيويته بالنسبة لمن يستهدفون بناء تنظيمات عنقودية، أم مرده خلل من نوع ما داخل هذا التخصص، قديماً وحديثاً.
السمة الثانية التى نجدها متوافرة أيضاً فى الشخصيات من هذا النوع ترتبط بالخبرات العسكرية، ولا يتعلق هذا النوع من الخبرة بمجرد حمل السلاح، بل بالقدرة على التخطيط والتجييش وتوزيع الأدوار، وجمع المعلومات، ومهارة التحرك من مكان إلى مكان، وغير ذلك من أمور. وقد امتلك «الصباح» العديد من هذه المميزات ويشهد على ذلك «فرق الاغتيال» التى أسسها، كما امتلكها أيضاً حسن البنا ويشهد عليه «النظام الخاص» للإخوان، وكانت متوافرة أيضاً لدى صالح سرية ومكنته من تجنيد عدد من طلاب الكلية الفنية العسكرية، لتنفيذ مخططه فى اغتيال «السادات» والسيطرة على الحكم، والذى تم إحباطه. ومن المعلوم أن «البغدادى» هو المسئول الأبرز عن كل النشاطات العسكرية لتنظيم داعش فى العراق، ووجّه وأدار مجموعة كبيرة من الهجمات والعمليات منذ عام 2011.
انطلاقاً من ذلك، يمكننا القول إن رؤية وتقييم «العقاد» لشخصية الحسن الصباح انطوى على قدر من الشطط، إذ أثبتت تجربة قلعة «آلموت» أنه كان قائداً قديراً، يتمتع بفكر تربوى متميز، وقدرة خاصة على تدجين الأتباع، وإدارتهم، والسيطرة عليهم، ثم توجيههم -بعد تربيتهم على عينه- للقيام بعمليات الاغتيال وتصفية خصومه السياسيين. ومفهوم التربية من المفاهيم الأساسية التى ترتكن إليها جماعات السيف، وإذا لم يكن لدى القيادة رؤية واضحة المعالم والخطوات والمراحل -فى هذا السياق- فليس بمقدورها أن تحقق أهدافها. ويمكننا القول إن تجربة وطرائق تربية المريدين داخل جماعة «الحشاشين» ألهمت -من بعد- العديد من جماعات الغضب الأخرى التى وظفت السيف كأداة للحوار السياسى، لو جاز هذا التعبير!.
«الحسن الصباح» شخصية «كاريزمية»، وبقدر ما كانت تتمتع بشهوة الحكم، والرغبة الجامحة فى الوصول إلى السلطة، إلا أنها كانت تمتلك القدرات التى تمكنها من تحقيق الهدف. حلل المفكر الكبير «عباس محمود العقاد» شخصية «الحسن الصباح» من زاوية نفسية، كما تعود، وخلص فى تحليله إلى أن «الصباح» شخصية مولعة بجنون السيطرة والغلبة، وأنه كان مسوقاً من نفسه التى كانت تغلبه باستمرار وتدفعه إلى السيطرة على الآخرين، وقد غلب جنون السيطرة على ما تمتع به الرجل من دهاء. ويفسر «العقاد» صراع «الصباح» مع «الأفضل الجمالى»، بالرغبة الجامحة لدى الأول فى المنافسة، وأنه انحاز إلى «نزار»، لمجرد أن «الجمالى» نادى بـ«المستعلى» خليفة لأبيه «المستنصر»، أى على سبيل العناد فقط. وخلافاً لما قاله «العقاد» عندما وصف شخصية «الحسن الصباح» بجنون السيطرة والولع بالسلطة والتحدى لمجرد العناد، قدم «ابن الأثير» فى كتابه «الكامل فى التاريخ» وصفاً مخالفاً لشخصية «حسن الصباح»، يبدو أن «العقاد» لم يتأمله بما يكفى. يقول «ابن الأثير»: «كان الحسن بن الصباح رجلاً شهماً، كافياً، عالماً بالهندسة، والحساب، والنجوم، والسحر».
نجاح أى شخصية فى الوصول إلى منصة الزعامة، وتجييش الأتباع، ودفعهم إلى الموت فى سبيل تحقيق ما تؤمن به من أفكار، بغض النظر عن درجة الوجاهة أو السفه فيها، يستوجب توافر العديد من القدرات والمقومات التى تؤهلها للتأثير فى الأتباع من ناحية وإدارتهم من ناحية أخرى. كلنا متفقون على رفض فكرة «الاغتيالات» كوسيلة للصراع السياسى، لكن الرفض أمر، والتقييم الموضوعى للشخصيات التى تمكنت من تكريس هذه الفكرة لدى مجموعة من الأتباع وشكلت منهم فرقاً لتنفيذ أحكام الإعدام فى الخصوم السياسيين أمر آخر. فمن الضرورة بمكان أن تكون الشخصية التى تقود هكذا عمل، على وعى وفهم دقيق للسياق، واكتشاف نقاط الضعف فيه، وبناء خطاب للمظلومية قادر على اجتذاب الأتباع، خصوصاً من العوام والضعفاء الذين يدفعون الضريبة الأكبر لوجود الظلم فى كل زمان ومكان، ولا بد أن يكون لديها رؤية متكاملة حول منهجية تربية الأتباع وإعدادهم وتهيئتهم للقيام بالمهام المطلوبة منهم، وأن تتمكن فى لحظة معينة من تحويل جماعتها إلى ما يشبه الدويلة لخلق نقطة انطلاق تستطيع أن تناوئ منها السلطة التى تحكم الدولة الأكبر.
والقاسم المشترك الأعظم بين أغلب الشخصيات التى قادت الجماعات العنقودية يرتبط بالأساس بسمتين، السمة الأولى هى القدرات التربوية. والثانية الخبرات العسكرية. لو حللنا العديد من الشخصيات التى لعبت دوراً مهماً فى بناء التنظيمات العنقودية، من لدن «الحسن الصباح» حتى الآن، فستجد أن السمة «التربوية» حاضرة فى تركيبتهم وتكوينهم بدرجة كبيرة، فقد كان أغلبهم معلمين تربويين. «الصباح» كان معلماً للمذهب الإسماعيلى، وحسن البنا كان معلماً بوزارة المعارف، وكذلك كان سيد قطب، والدكتور صالح سرية -قائد تنظيم الفنية العسكرية- كان متخصصاً فى «المناهج وأصول التربية»، وله رسالة باسمه بجامعة عين شمس تبحث فى هذا التخصص، وحتى أبوبكر البغدادى خليفة «داعش» كان لديه غرام بالدراسات التربوية، وقد عمل معلماً وتربوياً أيضاً. ويحتار المحلل فى سياق توافر هذه السمة بسخاء فى أغلب قادة «فرق الاغتيال»، وهل هى تعود إلى أهمية هذا التخصص وحيويته بالنسبة لمن يستهدفون بناء تنظيمات عنقودية، أم مرده خلل من نوع ما داخل هذا التخصص، قديماً وحديثاً.
السمة الثانية التى نجدها متوافرة أيضاً فى الشخصيات من هذا النوع ترتبط بالخبرات العسكرية، ولا يتعلق هذا النوع من الخبرة بمجرد حمل السلاح، بل بالقدرة على التخطيط والتجييش وتوزيع الأدوار، وجمع المعلومات، ومهارة التحرك من مكان إلى مكان، وغير ذلك من أمور. وقد امتلك «الصباح» العديد من هذه المميزات ويشهد على ذلك «فرق الاغتيال» التى أسسها، كما امتلكها أيضاً حسن البنا ويشهد عليه «النظام الخاص» للإخوان، وكانت متوافرة أيضاً لدى صالح سرية ومكنته من تجنيد عدد من طلاب الكلية الفنية العسكرية، لتنفيذ مخططه فى اغتيال «السادات» والسيطرة على الحكم، والذى تم إحباطه. ومن المعلوم أن «البغدادى» هو المسئول الأبرز عن كل النشاطات العسكرية لتنظيم داعش فى العراق، ووجّه وأدار مجموعة كبيرة من الهجمات والعمليات منذ عام 2011.
انطلاقاً من ذلك، يمكننا القول إن رؤية وتقييم «العقاد» لشخصية الحسن الصباح انطوى على قدر من الشطط، إذ أثبتت تجربة قلعة «آلموت» أنه كان قائداً قديراً، يتمتع بفكر تربوى متميز، وقدرة خاصة على تدجين الأتباع، وإدارتهم، والسيطرة عليهم، ثم توجيههم -بعد تربيتهم على عينه- للقيام بعمليات الاغتيال وتصفية خصومه السياسيين. ومفهوم التربية من المفاهيم الأساسية التى ترتكن إليها جماعات السيف، وإذا لم يكن لدى القيادة رؤية واضحة المعالم والخطوات والمراحل -فى هذا السياق- فليس بمقدورها أن تحقق أهدافها. ويمكننا القول إن تجربة وطرائق تربية المريدين داخل جماعة «الحشاشين» ألهمت -من بعد- العديد من جماعات الغضب الأخرى التى وظفت السيف كأداة للحوار السياسى، لو جاز هذا التعبير!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق