الجمعة، 26 يونيو 2015

عناقيد الغضب .. (7) .. بقلم الدكتور/ محمود خليل

محمد بن أبى بكر أول قائد لفرقة الاغتيالات
محمد بن أبى بكر من أكثر الشخصيات التى ثار حولها الجدال، واختلف فى تقييمها المؤرخون، ولعل أخطر حدث ارتبط بسيرة «ابن أبى بكر» هو حادث المشاركة فى اغتيال الخليفة عثمان بن عفان، حين قاد مجموعة من المصريين الرافضين لأسلوب «عثمان» فى الحكم، وحاصر بهم قصر الخليفة، وتمكنوا من اغتياله فى النهاية، بعد وقائع متنوعة، لا مقام هنا لتفصيلها. وثمة تقاطع بين الطريقة التى تم بها اغتيال «عثمان» وطرق الاغتيال التى سلكها «الحشاشون» بعد ذلك. فالاغتيال تم من خلال مجموعة وبأسلوب الطعن والذبح. يقول ابن الأثير: «ودخل عليه محمد بن أبى بكر، فقال له عثمان: ويلك أعلى الله تغضب؟. هل لى إليك جرم إلا حقه أخذته منك؟. فأخذ محمد لحيته وقال: قد أخزاك الله يا نعثل (يقصد الشيخ الأحمق)، وكانوا يلقبون به عثمان. فقال: لست بنعثل ولكنى عثمان وأمير المؤمنين. فقال محمد: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان! فقال عثمان: يا ابن أخى فما كان أبوك ليقبض عليها. فقال محمد: لو رآك أبى تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك، والذى أريد بك أشد من قبضى عليها!، فقال عثمان: أستنصر الله عليك وأستعين به!، فتركه وخرج. وقيل: بل طعن جبينه بمشقص (قضيب خشب أو حديد) كان فى يده. ثم دخل قتيرة وسودان بن حمران والغافقى، فضربه الغافقى بحديدة، وجاء سودان ليضربه، فأكبت عليه امرأته واتقت السيف بيدها، فنفح أصابعها فأطن أصابع يدها وولت، وضرب عثمان فقتله».
الفرقة التى وردت أسماؤها فى الفقرة السابقة هى التى تولت اغتيال «عثمان»، وكان أبرز أعضائها شاب صغير السن فى مرحلة العشرينات، وهو محمد بن أبى بكر. تشير بعض الدراسات إلى أن محمد بن أبى بكر كان ابن ثلاثة شهور عندما توفى النبى، صلى الله عليه وسلم، ولم يكن قد أكمل ثلاث سنوات عندما توفى والده الخليفة الأول أبوبكر الصديق، رضى الله عنه، وعندما توفى الخليفة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، كان عمر محمد بن أبى بكر ثلاثة عشر عاماً. وقد سافر إلى مصر مع الجيش الذى قاده عبدالله بن سعد بن أبى السرح لقتال أهل النوبة، وكان لدى الشاب عدة اعتراضات على شخص عبدالله بن سعد، أبرزها أنه كان مرتداً تائباً، وقد منع أبوه «أبوبكر» المرتدين من المشاركة فى جيوشه، وكان ذلك سبباً فى خروجه على عثمان، رضى الله عنه، مع جماعة من أهل مصر، وذهبوا وحاصروا بيته. وتختلف الروايات بعد ذلك فى مشاركة محمد بن أبى بكر فى اغتيال الخليفة، لكن المؤكد أن الكتلة الأهم من الذين ثاروا على «عثمان» كانت من المصريين، وأغلب من حاصروا داره كانوا منهم، وكان على رأس هؤلاء محمد بن أبى بكر، الذى التقى مع المصريين فى كراهيتهم ورفضهم تولية عبدالله بن سعد والياً عليهم، وكان لكل طرف أسبابه، فكان محمد بن أبى بكر يرفضه لأنه كان مرتداً تائباً، كما حكيت لك، وكان المصريون يرفضونه بسبب كثرة مظالمه، ويشير ابن كثير إلى أن محمد بن أبى بكر كان من الجماعة التى اقتحمت دار عثمان وشاركت فى قتله: «وفى رواية أن الغافقى بن حرب تقدم إليه -أى إلى عثمان، رضى الله عنه- بعد محمد بن أبى بكر فضربه بحديدة فى فمه، ورفس المصحف الذى بين يديه برجله، فاستدار المصحف ثم استقر بين يدى عثمان، رضى الله عنه، وسالت عليه الدماء ثم تقدم سودان بن حمران بالسيف وضرب عثمان فقتله».
مسألة الاغتيال السياسى، ليست اختراعاً يمتلك وثيقة براءته «الحسن الصباح»، فقد كانت هناك سوابق عديدة اعتمدت على فكرة تصفية الخصوم السياسيين، حال الاختلاف معهم، وكانت هذه الحوادث تظهر وتختفى تبعاً لحالة السياق العام، وتوافر الشروط والملابسات القادرة على احتضانها وتقبلها. وجوهر هذا السياق دائماً هو المظالم. فأشهر حادثة اغتيال سياسى فى تاريخ المسلمين، والمتمثلة فى اغتيال الخليفة عثمان، ارتبطت بشعور بالمظلومية تكرس لدى المصريين، بسبب ممارسات واليهم عبدالله بن سعد بن أبى سرح، وعندما توافرت لهم القيادة الشابة الطموحة إلى ولاية مصر حينذاك، وهو محمد بن أبى بكر، وكشفت لهم مواطن الخداع فى أداء بطانة الخليفة، كان من الطبيعى أن يتحلقوا حولها، وأن ينتهى المشهد باغتيال عثمان، رضى الله عنه، على يد جماعة يقودها «محمد بن أبى بكر» ابن رفيق عمره فى الإسلام. ذهب عثمان، وهو واحد من أجل الصحابة، رضوان الله تعالى عليهم، ضحية للظرف التاريخى الذى حكم فيه، وتورط محمد بن أبى بكر فى اغتياله، جراء حداثة السن واشتعال الطموح، وشارك المصريون فى المشهد مدفوعين بالإحساس بالمظلومية.. وتلك هى المعادلة!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق